للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَإِلَّا) أي: والقسمُ الثَّاني مِن فِعلِه -صلى الله عليه وسلم-: ما لم يَكُنْ مُختَصًّا به، ولا جِبليًّا، ولا مُتَرَدِّدًا، ولا بيانًا، ولم تُعلَمْ صفةُ حُكْمِ فِعلِه، وهو نوعانِ:

(١) (فَإِنْ تَقَرَّبَ) أي: قَصَدَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- (بِهِ) أي: بالفعلِ القُربةَ؛ (فَـ) هو (وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ) عندَ أحمدَ وأكثرِ أصحابِه؛ لقولِه تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} (١)، وقولِه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (٢)، والفعلُ أمرٌ، وقولِه تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} (٣)، وقولِه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٤) أي: تَأَسَّوْا به، وقولِه تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (٥)، ومَحَبَّتُه واجبةٌ، فيَجِبُ لازمُها، وهو اتِّباعُه، ولَمَّا خَلَعَ -صلى الله عليه وسلم- نَعلَه في الصَّلاةِ خَلَعُوا نِعالَهم (٦)، ولَمَّا أَمَرَهم بالتَّحلُّلِ في صُلْحِ الحُدَيْبيةِ تَمَسَّكوا (٧).

(٢) (وَإِلَّا) أي: والنَّوعُ الثَّاني مِمَّا لم تُعلَمْ صِفتُه إن لم يَقصِدْ به القُربَةَ (فَـ) هو (مُبَاحٌ) اختارَه الأكثرُ.

(وَلَمْ يَفْعَلِ) النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الفعلَ (المَكْرُوهَ لِيُبَيِّنَ بِهِ الجَوَازَ، بَلْ) إذا فَعَلَ -صلى الله عليه وسلم- فعلًا، فـ (فِعْلُهُ يَنْفِي) به (الكَرَاهَةَ) لأنَّه يَحصُلُ فيه التَّأسِّي، والمُرادُ (حَيْثُ لَا مُعَارِضَ لَهُ) أي: لذلك الفعلِ، وإلَّا فقد يَفعَلُ غالبًا شيئًا ثمَّ يَفعَلُ خلافَه؛ لبيانِ الجوازِ، وهو كثيرٌ، كقولِهم في تركِ الوضوءِ مع الجنابةِ لنومٍ، أو أكلٍ، أو معاودةِ وطءٍ: «تَرَكَه لبيانِ الجوازِ، وفَعلَه غالبًا للفضيلةِ».


(١) الأنعام: ١٥٣.
(٢) النُّور: ٣٣.
(٣) الحشر: ٧.
(٤) الأحزاب: ٢١.
(٥) آل عمران: ٣١.
(٦) رواه أبو داود (٦٥٠)، وابن خزيمة (٧٨٦) من حديث أبي سعيد الخُدري -رضي الله عنه-.
(٧) رواه البخاري (٢٧٣١) من حديث المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ، ومروان -رضي الله عنهما-.

<<  <   >  >>