للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِن أماراتِ الوجوبِ، ولهذا لا يُطلَبَانِ في صلاةِ عيدٍ وكسوفٍ واستسقاءٍ، فيَدُلَّانِ على وجوبِ الصَّلاةِ؛ لأنَّها شعارٌ مُختَصٌّ بالفرائضِ.

- وأمَّا النَّدبُ: فكقصدِ القُربةِ مُجَرَّدًا عن دليلِ وجوبٍ وقرينتِه، والدَّليلُ على ذلك كثيرٌ. وزادَ البيضاويُّ: أنْ يُعلَمَ كونُه قضاءً لفعلٍ مندوبٍ؛ لأنَّ القضاءَ يَحكي الأداءَ (١).

- وأمَّا الإباحةُ: فكالفعلِ الَّذِي ظَهَرَ بالقَرينةِ أنَّه لم يَقصِدْ به القُربةَ.

- (أَوْ) أي: وإمَّا أن تُعرَفَ صفةُ فِعلِه -صلى الله عليه وسلم- (بِوُقُوعِهِ) أي: الفعلِ، (بَيَانًا لِمُجْمَلٍ) كالصَّلاةِ بيانًا بعدَ قولِه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (٢)، وكالقطعِ مِن الكُوعِ بيانًا لآيةِ السَّرقةِ، ونحوِ ذلك.

(أَوْ) بوقوعِ الفِعلِ (امْتِثَالًا لِنَصٍّ يَدُلُّ عَلَى حُكْمٍ) يَعني امْتثالًا لأمْرٍ عُلِمَ أنَّه أمرُ إيجابٍ، أو ندبٍ، فيَكُونُ هذا الفعلُ تابعًا لأصلِه في حُكمِه، فكلُّ فعلٍ مِن ذلك عُلِمَتْ صفةُ حُكمِه في حَقِّه -صلى الله عليه وسلم-،

(فَـ) قالَ أصحابُنا وأكثرُ العلماءِ: (أُمَّتُهُ مِثْلُهُ) في ذلك؛ لأنَّ الأصلَ مشاركةُ أُمَّتِه له حَتَّى يَدُلَّ دليلٌ على غيرِ ذلك، نعمْ، في الواردِ بيانًا لفعلِ أمْرٍ آخَرَ، وهو: أنَّه -صلى الله عليه وسلم- يَجِبُ عليه بيانُ الشَّرعِ للأُمَّةِ بقولِه أو فِعلِه، فإذا أتى بالفعلِ بيانًا أتى بواجبٍ، وإنْ كانَ الفعلُ بيانًا لأمْرِ ندبٍ أو إباحةٍ بالنِّسبةِ للأُمَّةِ فللفعلِ حينئذٍ جهتانِ: جهةُ التَّشريعِ وصفتُه الوجوبُ، وجهةُ ما يَتَعَلَّقُ بفعلِ الأُمَّةِ تابعٌ لأصلِه مِن ندبٍ، أو إباحةٍ.


(١) ينظر: «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» للولي العراقي (ص ٣٩١).
(٢) البقرة: ٤٣.

<<  <   >  >>