الواجبُ عليه (مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) مَعرفةُ (مَا يَتَعَلَّقُ بِالأَحْكَامِ) منهما (١)، والصَّحيحُ أنَّها غيرُ منحصرةٍ في قدرِ خَمْسِ مئةِ آيةٍ مِن القرآنِ ولا في بعضِ السُّنَّةِ دونَ بعضٍ، وكأنَّ مَن حَصَرَها في ذلك أرادَ ما هو مقصودٌ به الأحكامُ بدَلالةِ المطابقةِ، أمَّا بدَلالةِ الالتزامِ فغالبُ القرآنِ -بل كلُّه- لا يَخلو شيءٌ مِنه عن حُكمٍ يُستنبَطُ منه، وكذلك السُّنَّةُ.
والمرادُ بمعرفةِ ما يَتَعَلَّقُ بالأحكامِ (بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ) أي: المجتهدَ (اسْتِحْضَارُهُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ)، و (لَا) يُشتَرَطُ (حِفْظُهُ) أي: حفظُ ما يَتَعَلَّقُ بالأحكامِ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ، حيثُ أَمْكَنَه ذلك.
(٣)(وَ) شَرطُ المجتهدِ عِلْمُه بـ (النَّاسِخِ وَالمَنْسُوخِ مِنْهُمَا) أي: مِن الكتابِ والسُّنَّةِ؛ لأنَّ المنسوخَ بَطَلَ حُكمُه، وصارَ العملُ على النَّاسخِ، فإن لم يَعرِفْ ذلك أَفْضَى إلى إثباتِ المنفيِّ ونفيِ المُثبَتِ، وقد اشتدَّتْ وصيَّةُ السَّلَفِ واهتمامُهم بمعرفةِ النَّاسخِ والمنسوخِ، حَتَّى رُوِيَ عن عليٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَه أنَّه رأى قاصًّا يَقُصُّ في مسجدِ الكوفةِ وهو يَخلِطُ الأمرَ بالنَّهيِ والإباحةَ بالحظرِ، فقالَ له: أَتعرِفُ النَّاسخَ مِن المنسوخِ؟ قالَ: لا، قالَ: هَلَكْتَ وأَهْلَكْتَ، ثمَّ قالَ له: أبو مَن أنت؟! قالَ: أبو يحيى، قالَ: أنت أبو اعْرِفُوني، ثمَّ أَخَذَ أُذُنَه ففَتَلَها، وقال: لا تَقُصَّ في مسجدِنا بعدُ.
(٤)(وَ) شرطُه أيضًا عِلمُه بـ (صِحَّةِ الحَدِيثِ وَضَعْفِهِ) سندًا ومتنًا، بأنْ يَكُونَ له مِن الأهليَّةِ والقوَّةِ في عِلمِ الحديثِ ما يَعرِفُ به صِحَّةَ مَخرجِ