للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي «الصحيح»: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ» (١).

هذا آخِرُ الأحاديثِ الَّتي نَقَلْناها مِن جزءِ الحافظِ ضياءِ الدِّينِ وغيرِه المشتملِ على الأحاديثِ الواردةِ في الحرفِ والصَّوتِ، وهي قريبٌ مِن ثلاثينَ حديثًا، بعضُها صحاحٌ وبعضها حِسَانٌ مُحتَجٌّ بها، وقد أَخْرَجَ غالبَها الحافظُ ابنُ حجرٍ في «شرحِ البخاريِّ»، وغالبُها احتجَّ بها الإمامُ أحمدُ، والإمامُ محمَّدُ بنُ إسماعيلَ البخاريُّ، وغيرُهما مِن أئمَّةِ الحديثِ (٢) على أنَّ اللهَ تَعالى تَكَلَّمَ بصوتٍ، وهُم أئمَّةُ هذا الشَّأنِ، والمُقْتَدَى بهم فيه، والمرجعُ إليهم، وقد صَحَّحُوا هذه الأحاديثَ واعتَمَدُوا عليها، واعتقدوا ما فيها، مُنَزِّهِينَ للهِ تَعالى عمَّا لا يَلِيقُ بجلالِه مِن سماتِ الحُدوثِ وغيرِها، كما قالوا في سائرِ الصِّفاتِ، فإذا رَأَيْنا أحدًا مِن النَّاسِ ما يَقْدِرُ عُشْرَ مِعشارِ أحدِ هؤلاءِ، يَقُولُ: لم يَصِحَّ عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حديثٌ واحدٌ أنَّه تَكَلَّمَ بصوتٍ، ورَأَيْنا هؤلاءِ الأئمَّةَ أئمةَ الإسلامِ، الَّذين اعتمدَ أهلُ الإسلامِ على أقوالِهم، وعَمِلُوا بها، ودَوَّنُوها، ودانو لله تعالى بها، صَرَّحُوا بأنَّ اللهَ تَعالى تَكَلَّمَ بصوتٍ لا يُشبِهُ صوتَ مخلوقٍ بوجهٍ من الوجوهِ البتَّةَ، مُعتَمِدِينَ على ما صَحَّ عندَهم عن (٣) صاحبِ الشَّريعةِ المعصومِ في أقوالِه وأفعالِه، الَّذِي لا يَنطِقُ عنِ الهوى، إنْ هو إلَّا وحيٌ يُوحَى، مع اعتقادِهم -الجازمينَ به، الَّذِي لا يَعتَريه شَكٌّ ولا وَهْمٌ ولا خيالٌ- نَفْيَ التَّشبيهِ والتَّمثيلِ والتَّكييفِ، وأنَّهم قائلونَ في صفةِ الكلامِ كما يَقُولون في جميعِ صفاتِ اللهِ تَعالى، مِن


(١) رواه البخاريُّ (٧٤٤٣)، ومسلمٌ (١٠١٦) مِن حديثِ عَدِيِّ بنِ حاتمٍ -رضي الله عنه-.
(٢) في (ع): الأحاديث.
(٣) في (د): من.

<<  <   >  >>