للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَالعَمَلُ بِهِ) أي: بخبَرِ الواحدِ (جَائِزٌ عَقْلًا) عندَ جماهيرِ العلماءِ؛ لأنَّه لا يَلْزَمُ منه مُحالٌ، وليسَ احتمالُ الكذبِ والخطأِ بمانعٍ، وإلَّا لمُنِعَ في الشَّاهدِ والمُفتي، ولا يَلْزَمُ الوصولُ لِما سَبَقَ في إفادتِهِ العِلْمَ، ولا نُقِلَ القُرآنُ لقضاءِ العادةِ فيه بالتَّواتُرِ، ولا التَّعبُّدُ في الإخبارِ عنِ اللهِ تعالى بلا مُعجزةٍ؛ لأنَّ العادةَ تُحِيلُ صِدقَه بدونِها، ولا التَّناقُضُ بالتَّعارُضِ؛ لأنَّه يَندفِعُ بالتَّرجيحِ، أو التَّمييزِ، أو الوقفِ، ثمَّ قُولُوا بالتَّعبُّدِ ولا تَعارُضَ.

إذا تَقَرَّرَ ذلك، فلا يَجِبُ العملُ بخبَرِ الواحدِ عقلًا على الصَّحيحِ، بل هو (وَاجِبٌ سَمْعًا) في الأمورِ الدِّينيَّةِ عندَ أكثرِ العلماءِ.

قالَ ابنُ القاصِّ (١): لا خلافَ بينَ أهلِ الفقهِ في قَبولِ (٢) خبَرِ الآحادِ (٣).

فأصحابُ هذا القولِ اتَّفقوا على أنَّ الدَّليلَ السَّمعيَّ دَلَّ عليه مِن الكتابِ والسُّنَّةِ وعَمَلِ الصَّحابةِ، ورجوعِهم، كما ثَبَتَ ذلك بالتَّواتُرِ.

واسْتَدَلُّوا: بأنَّه قد كَثُرَ جدًّا قبولُه والعملُ به في الصَّحابةِ والتَّابعينَ، شائعًا مِن غيرِ نكيرٍ، يَحصُلُ به إجماعُهم عليه عادةً قطعًا.

- فمنه: قول أبي بكر الصديق رَضِيَ اللهُ تعالى عنه لمَّا جاءتهُ الجَدَّةُ تطلبُ مِيرَاثَها: مَا لَكِ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ، وَمَا عَلِمْتُ لَكِ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا، فَارْجِعِي حَتَّى أَسْأَلَ النَّاسَ، فَسَأَلَ النَّاسَ، فَقَالَ المُغِيرَةُ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَعْطَاهَا السُّدُسَ، فقَالَ: هَلْ مَعَكَ غَيْرُكَ؟


(١) هو: الشَّيْخ الإمام أحمد بن أبى أحمد الطبرى أبو العباس ابن القاص، إمام عصره وصاحب التصانيف المشهورة، وله مُصنَّفٌ فى أصول الفقه. ينظر: «طبقات الشافعية» للسبكي (٣/ ٥٩).
(٢) ليست في (د).
(٣) ينظر: «الفوائد السَّنية» للبِرماوي (٢/ ٤٢).

<<  <   >  >>