للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحديثِ قولُ النَّبِيِ -صلى الله عليه وسلم- وهو على تَبُوكَ ورأى شخصًا: «كُنْ أَبَا ذَرٍّ» (١)، ورأى آخَرَ، فقال: «كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ» (٢).

(وَ) الحادي والعشرون: لـ (كَمَالِ القُدْرَةِ) كقولِه تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (٣)، وبعضُهم عَبَّرَ عنه بالتَّكوينِ، وسَمَّاه أبو المعالي وغيرُه التَّسخيرَ، فهو تفعيلٌ مِن «كانَ» بمَعنى «وَجَدَ» فتكوينُ الشَّيْءِ: إيجادُه مِنَ العَدمِ.

(وَ) الثَّاني والعشرون: [أنْ يَكُونَ الأمرُ] (٤) بمعنى (خَبَرٍ) كقولِه تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا} (٥).

فائدةٌ: كما جاءَ الأمرُ بمَعنى الخبَرِ، جاءَ الخبَرُ بمَعنى الأمرِ، كقولِه تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (٦).

وكذا يَجيءُ بمعنى النَّهي، كما في حديثٍ رَوَاه ابنُ ماجه بسندٍ جيِّدٍ: أنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «لَا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، ولا تُزَوِّجُ المَرْأَةُ نَفْسَهَا» (٧) بالرَّفعِ؛ إذْ لو كانَ نهيًا لجُزِمَ، فيُكْسَرُ لالتقاءِ السَّاكنَينِ، وهو أبلغُ مِن صريحِ الأمرِ والنَّهيِ، كما قال أربابُ المعاني؛ لأنَّ المُتَكَلِّمَ لشِدَّةِ طَلَبِه نَزَّلَ المطلوبَ بمنزلةِ الواقعِ لا مَحالَةَ، ومِن هنا تُعرَفُ العَلاقةُ في إطلاقِ الخبَرِ بمعنى الأمرِ والنَّهيِ.


(١) رواه الحاكم (٤٣٧٣) من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-، وضعَّفه الحافظ في «الإصابة» (١٢/ ٢٢١).
(٢) رواه مسلم (٢٧٦٩) ضمن حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه-.
(٣) النَّحل: ٤٠.
(٤) ليس في (د).
(٥) التَّوبة: ٨٢.
(٦) البقرة: ٢٣٣.
(٧) رواه ابن ماجه (١٨٨٢)، والدارقطني (٣٥٣٥) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
قال ابن حجر في «بلوغ المرام» (٩٨٦): رواه ابن ماجه والدارقطني، ورجاله ثقات.

<<  <   >  >>