للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حَمْلُ اللَّفظِ على الحقيقةِ والمجازِ معًا إذا رَجَحَ بمُرَجِّحٍ مِن الخارجِ، وإلَّا فالحقيقةُ مُقَدَّمَةٌ قطعًا.

مثالُ ذلك: إطلاقُ النِّكاحِ للعقدِ والوطءِ معًا، إذا قُلْنَا: حقيقةٌ في أحدِهما مجازٌ في الآخَرِ، ولذلك حُمِلَ قولُه تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (١) على المسِّ باليدِ، وهو حقيقةٌ، وعلى الوقاعِ وهو مجازٌ.

ومِثْلُه قولُه تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} (٢) فإنَّه حقيقةٌ في وَلَدِ الصُّلْبِ، مجازٌ في وَلَدِ الابنِ.

(وَهُوَ) أي: اللَّفظُ إذا صَحَّ إطلاقُه على الحقيقةِ والمجازِ فهو (ظَاهِرٌ فِيهِمَا) جميعًا؛ أي: غيرُ مُجمَلٍ؛ (إِذْ لَا قَرِينَةَ) تَخُصُّ أَحَدَهما، فاللَّمْسُ قُلْنُا حقيقةٌ في اللَّمسِ باليدِ، مجازٌ في الجماعِ (فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا) وجوبًا على الصَّحيحِ، ويَجِبُ الوضوءُ مِنهما جميعًا؛ لأنَّه لا تَدافُعَ بينَهما، فعلى هذا يَكُونُ حَمْلُ اللَّفظِ على الحقيقةِ والمجازِ (كَعَامٍّ) أي: لكونِه مِن بابِ العمومِ.

وتوجيهُ ذلك: أنَّ نِسبةَ المُشتَركِ إلى مَعانيه كنسبةِ العامِّ إلى أفرادِه، وعندَ التَّجرُّدِ يَعُمُّ الأفرادَ، فكذا المُشتَركُ، والجامِعُ صِدقُ اللَّفظِ بالوضعِ على كلِّ فردٍ كما يَصدُقُ العامُّ على كلِّ فردٍ مِن أفرادِه وإنِ افْتَرَقا من حَيْثُ إنَّ العامَّ صِدْقُه بواسطةِ أمرٍ اشْتَرَكَتْ فيه، والمُشتَركُ صِدْقُه بواسطةِ الاشتِراكِ في أنَّ اللَّفظَ وُضِعَ لكلِّ واحدٍ.


(١) النِّساء: ٤٣.
(٢) النِّساء: ١١.

<<  <   >  >>