للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولِه: {خم سج سح سخ} (١)، وأيُّهما كانَ أكثرَ فقد استثناه، أو أنَّ الغاوينَ أكثرُ؛ لقولِه: {بخ بم بى بي تج تح} (٢).

رُدَّ ذلك: بأنَّ مَحَلَّ الخلافِ إِنَّمَا هو في الاستثناءِ مِن عددٍ، وأمَّا هذا فتخصيصٌ بصفةٍ، وفَرْقٌ بينَهما لأنَّه كما يَأتي قريبًا يُستثنَى بصفةِ مجهولٍ مِن معلومٍ، ومِن مجهولٍ، والجميعِ أيضًا، فلهذا قال:

(إِلَّا إِذَا كَانَتِ الكَثْرَةُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجٍ عَنِ اللَّفْظِ) أي: فيَجوزُ استثناءُ الأكثرِ حينئذٍ كالكلِّ، فلو قال: «اقتلْ مَن في الدَّارِ إلَّا بني تميمٍ»، أو (٣) «إلَّا البِيضَ»، فكانوا كلُّهم بني تميمٍ أو (٤) بِيضًا؛ لم يَجُزْ قتلُهم بخلافِ العددِ.

ثمَّ الجنسُ ظاهرٌ، والعددُ صريحٌ، فلهذا فَرَّقَتِ اللُّغةُ بينَهما، ثمَّ هو استثناءٌ منقطعٌ؛ أي: لكنَّ قولَه: {خم سج سح} (٥) يَعني وَلَدَ آدمَ، وفي الآيةِ الأُخرى أضافَ العبادَ إليه، والملائكةُ منهم، فاسْتَثْنَى الأقلَّ فيهما، واعتمدَ القاضي وغيرُه على الجوابِ الأوَّلِ، وبه يُجابُ عن قولِه تعالى: «كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ» رَوَاه مسلمٌ (٦) مِن حديثِ أبي ذرٍّ.

واتَّفقوا أنَّه لو أَقَرَّ بهذه الدَّارِ إلَّا هذا البيتَ: صَحَّ، ولو كانَ أكثرَها، بخلافِ: «إلا ثُلُثَيها»، فلا يَصِحُّ على المذهبِ.

إذا عَلِمْتَ ذلك فالكَثرةُ في ذلك كلِّه مِن دليلٍ خارجٍ لا مِن اللَّفظِ.

(وَحَيْثُ) قُلْنا: إنَّ الاستثناءَ (بَطَلَ وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ) أي: مِن المُستثنى (رَجَعَ) الاستثناءُ (إِلَى مَا قَبْلَهُ) وهو المُستثنَى منه أوَّلًا، ويَتَفَرَّعُ عليه لو قال:


(١) ص: ٨٣.
(٢) يوسف: ١٠٣.
(٣) في (د): و.
(٤) في (د): و.
(٥) ص: ٨٣.
(٦) «صحيح مسلم» (٢٥٧٧).

<<  <   >  >>