للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَعنى هذا الكلامِ: أنْ يَكُونَ مَعنى اللَّفظِ مُحتملًا (١) لشيئينِ هو ظاهرٌ في أحدِهما ومرجوحٌ في الآخرِ، لكنْ هو موافقٌ للقياسِ، فينصرفُ عنِ الظَّاهرِ إلى الاحتمالِ المرجوحِ لأجلِ موافقةِ القياسِ على الأرجحِ.

(وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا: ظَنِّيَّةٌ) لا قطعيَّةٌ؛ لأنَّ أدلَّتَها ظنِّيَّةٌ، فتَكُونُ مِن بابِ الظُّنونِ.

(وَفِعْلُ الفَرِيقَيْنِ) منَ الصَّحابةِ -رضي الله عنهم- (إِذْ قَالَ) لهُم النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمَّا فَرَغَ منَ الأحزابِ، وأَمَرَه جبْريلُ -عليه السلام- بالمَسيرِ إلى بني قُرَيْظَةَ: (لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ)، ثمَّ ذُكِرَ له -صلى الله عليه وسلم- أنَّ طائفةً صَلَّتْ في الطَّريقِ في الوقتِ، وطائفةً صَلَّتْ في بني قُرَيْظَةَ بعدَ الوقتِ، فلم يَعِبْ واحدةً منهما

(يَرْجِعُ) أي: فعلُ الفريقينِ منَ الصَّحابةِ (إِلَى تَخْصِيصِ العُمُومِ بِالقِيَاسِ وَعَدَمِهِ)، فمَن صَلَّى في الوقتِ قبلَ أنْ يَصِلَ إلى بني قُرَيْظَةَ أَخَذَ بقولِه: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمُ العَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (٢) للتَّأكيدِ في سرعةِ المَسيرِ إليه لا في تأخيرِ الصَّلَاةِ عن وَقتِها، ومَن أخَّرَ الصَّلَاةَ حَتَّى وَصَلَ أَخَذَ بعمومِ قولِه ذلك.

(وَالمُصِيبُ) في فِعلِه مِن الطَّائفتينِ: (المُصَلِّي فِي الوَقْتِ فِي قَوْلِ) الشَّيخِ، ولأنَّ المرادَ مِن ذلك التَّأهُّبُ وسرعةُ المَسيرِ، لا تأخيرُ الصَّلَاةِ.

وقالَ ابنُ حَزمٍ: التَّمسُّكُ بالعُمومِ هنا أرجحُ، وأنَّ المُؤخِّرَ للصَّلاةِ حَتَّى وَصَلَ بني قُريظةَ هو المُصيبُ في فِعلِه، وكلا الطَّائفتينِ مُجتهدٌ، فلذلك لم يُعَنِّفْ واحدةً منهما.


(١) في «ع»: متحملًا.
(٢) رواه البخاري (٩٤٦)، ومسلم (١٧٧٠) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.

<<  <   >  >>