للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَإِذَا وَافَقَ خَاصٌّ عَامًّا: لَمْ يُخَصِّصْهُ) عندَ الأربعةِ وغيرِهم، ومَعناه أنْ يَأْتيَ معنَى لفظٍ عامٍّ ويَأتيَ لفظٌ خاصٌّ هو بعضُ ذلك العامِّ، وداخلٌ فيه، كقولِه تَعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} (١)، فالإحسانُ بلامِ التَّعريفِ عامٌّ في جميعِ أنواعِ الإنسانِ، فيَندرجُ فيه إيتاءُ ذي القُربى، فذِكْرُه بعدَه لَيْسَ تخصيصًا للأوَّلِ بإيتاءِ ذي القُربى لمُوافقتِه له، بل يَكُونُ اهتمامًا بهذا النَّوعِ، فإنَّ عادةَ العربِ أنَّها إذا اهتمَّتْ ببعضِ أنواعِ العامِّ خَصَّصَتْه بالذِّكرِ إبعادًا له عنِ المجازِ والتَّخصيصِ بذلك النَّوعِ، واستُدلَّ له بأنَّه لا تعارضَ بينَهما، فيُعمَلُ بهما، وليسَ من هذا البابِ قولُه تَعالى: {فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} (٢)؛ لأنَّ {فَاكِهَةٌ} مطلقٌ.

(وَلَا تَخُصُّ عَادَةٌ) أي: فعليَّةٌ (عُمُومًا، وَلَا تُقَيِّدُ) العادةُ (مُطْلَقًا) عندَ الجمهورِ، نحوُ: «حُرِّمَتِ الرِّبا في الطَّعامِ»، وعادتُهم البُرُّ، ووجهُه: العُمومُ لغةً وعُرفًا، والأصلُ عدمُ مُخَصِّصٍ.

قالَ المُعتَرضُ: المرادُ ظاهرٌ له عُرفًا؛ فيُخَصَّصُ به كالدَّابَّةِ.

رُدَّ بما سَبَقَ، فلم يَتَخَصَّصِ الاسمُ، فلو تَخَصَّصَ كالدَّابَّةِ: اختصَّ، فهو تخصيصٌ بالنِّسبةِ إلى اللُّغةِ بعُرفٍ قَوليٍّ، والأوَّلُ بعُرفٍ فعليٍّ.

ومنه مسألةُ: مَن حَلَفَ لا يَأكُلُ رأسًا وبيضًا وكذا لحمًا، هل يَحنَثُ بمُحَرَّمٍ غيرِ معتادٍ؟ على وجهينِ، والمعروفُ حنثُه.

تنبيهٌ: المرادُ بالعادةِ الَّتي لا تُخَصِّصُ العُمومَ العادةُ الفعليَّةُ، كما سَبَقَتِ الإشارةُ إلى ذلك، وأمَّا القوليَّةُ فتُخَصِّصُ العُمومَ، كما إذا كانَتْ عادتُهم إطلاقَ


(١) النحل: ٩٠.
(٢) الرحمن: ٦٨.

<<  <   >  >>