للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّراويحَ في رمضانَ، ثمَّ تَرَكَها خشيةَ أنْ تُفرَضَ عليهم (١)، فدَلَّ على عدمِ الوجوبِ؛ إذْ يَمتنعُ تَركُ الواجبِ.

ومِنها: السُّكوتُ بعدَ السُّؤالِ عن حُكمِ الواقعةِ، فيُعلَمُ أنَّه لا حُكمَ للشَّرعِ فيها، كما أنَّ زوجةَ سعدِ بنِ الرَّبيعِ جاءَتْ بابنتَيْها إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فقالَتْ: يا رسولَ اللهِ! هاتانِ ابنتا سعدٍ، قُتِلَ أبوهما مَعَك يومَ أُحُدٍ، وقد أَخَذَ عَمُّهما (٢) مالَهما ولا يُنكحانِ إلَّا بمالٍ. فقالَ: «اذْهَبِي حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكِ»، فذَهَبَتْ، ثمَّ نَزَلَتْ آيةُ الميراثِ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (٣)، فبَعَثَ خَلْفَ المرأةِ وابنتَيْها وعَمِّهما فقَضَى فيهم بحُكمِ الآيةِ (٤).

فدَلَّ ذلك على أنَّ قبلَ نزولِ الآيةِ لم يَكُنْ في المسألةِ حُكْمٌ، وإلَّا لَمَا جازَ تأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ إليه.

ومِنها: أنْ يَستدلَّ الشَّارِعُ استدلالًا عقليًّا فتُبَيَّنُ به العِلَّةُ، أو مأخذُ الحُكمِ، أو فائدةٌ ما؛ إذِ الكلامُ حُكمٌ في بيانِ المُجمَلِ، ومُحتملاتُه بالفَرضِ مُتساويةٌ، فأدنى مُرَجِّحٍ يَحصُلُ بيانًا؛ محافظةً على المبادرةِ إلى الامتثالِ وعدمِ الإهمالِ للدَّليلِ.


(١) رواه البخاري (٩٢٤)، ومسلم (٧٦١) من حديث عائشة -رضي الله عنها- وفيه: «لَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَ».
(٢) في «ع»: عمها.
(٣) النساء: ١١.
(٤) رواه أبو داود (٢٨٩٢)، والترمذي (٢٠٩٢)، وابن ماجه (٢٧٢٠) من حديث جابر -رضي الله عنه-. وقال الترمذي: حسن صحيح.

<<  <   >  >>