الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُودِ العِلَّةِ فِيهَا) أي: في صورةِ النَّقضِ على الصَّحيحِ؛ لأنَّه انتقالٌ عن مَحَلِّ النَّظَرِ وغصبٌ لمنصبِ المُستدلِّ، ويَلْزَمُ منه أنْ يَكُونَ المعترضُ مُستدِلًّا، فهو قلبٌ لقاعدةِ المصطلحِ لكَوْنِه يَبقى مستدلًّا، والمستدلُّ مُعتَرضًا، كما لو قالَ المُعتَرضُ في الصُّورةِ المذكورةِ على أنَّ قتلَ المعاهَدِ عدوانٌ أنَّه قتلٌ مُخفِرٌ لذِمَّةِ الإسلامِ، وكلُّ ما كانَ مُخفِرًا لذِمَّةِ الإسلامِ فيُفضي إلى ما ذَكَرْنا.
والوجهُ الثَّالثُ: أنْ يُبَيِّنَ المُستدلُّ في صورةِ النَّقضِ وجودَ مانعٍ أو انتفاءَ شرطٍ مُختَلٍّ تَخَلَّفَ الحُكمُ فيها عليه، كما إذا أَوْرَدَ المُعتَرضُ قَتْلَ الوالدِ وَلَدَه على عِلَّةِ القتلِ العمدِ العدوانِ، فقالَ المُستدلُّ: تَخَلَّفَ لمانعِ الأُبُوَّةِ، وكما إذا قالَ المُستدلُّ: سَرَقَ نصابًا كاملًا ولا شُبهةَ له فيه، فقُطِعَ، فأَوْرَدَ المُعتَرضُ السَّرِقَةَ مِن غيرِ حِرزٍ، فقالَ المُستدلُّ: لانتفاءِ شرطٍ وهو الحرزُ.
الوجهُ الرَّابعُ: أنْ يُبَيِّنَ المُستدلُّ أنَّ صورةَ النَّقضِ واردةٌ على مذهبِه ومذهبِ خصمِه، كما إذا قِيلَ: مَكيلٌ، فحَرُمُ فيه التَّفاضُلُ، فأَوْرَدَ المُعتَرضُ العرايا؛ إذ هي مكيلٌ، وقد جازَ فيه التَّفاضُلُ بينَه وبينَ التَّمرِ المَبيعِ به على وجهِ الأرضِ، فيَقُولُ المُستدلُّ: هذا واردٌ عليَّ وعليك جميعًا، فلَيْسَ بُطلانُ مَذهبي فيه أَوْلى مِن بُطلانِ مَذهبِك.
الوجهُ الخامسُ: أنْ يَقُولَ: هذه العِلَّةُ منصوصةٌ، فهي مُؤَثِّرةٌ بالنَّصِّ فلا يَرِدُ عليها كقولِه تَعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}(١) إذا عَلَّلَ بالسَّرقةِ في مسألةِ النَّبَّاشِ وغيرِه، فأُورِدَ عليه بعضُ النُّقوضِ المذكورةِ، وكذلك عِلَّةُ العرايا منصوصةٌ، فلا يُؤَثِّرُ فيها النَّقضُ بالعرايا.