(١) إمَّا أنْ تَكُونَ بمَعنًى (مُسْتَقِلٍّ) بثبوتِ الحكمِ، بحيثُ لا يَتَوَقَّفُ ثبوتُه على وصفٍ آخَرَ، كما لو عَلَّلَ الشَّافعيُّ تحريمَ ربا الفضلِ في البُرِّ بالطَّعمِ، فعارَضَه الحنفيُّ بتعليلِ تحريمِه بكيلٍ أو الجنسِ أو القُوتِ،
(٢)(أَوْ) تَكُونَ بمَعنًى (غَيْرِ مُسْتَقِلٍّ) بثبوتِ الحُكمِ لِما عَلَّلَ به المُستدلُّ، أو لِما أَبْداه هو، أو لمجموعِ الوصفينِ كما لو عَلَّلَ الشَّافعيُّ وُجوبَ القصاصِ في القتلِ بالمُثَقَّلِ العمدِ العدوانِ، فعارَضَه الحنفيُّ بتعليلِ وجوبِه بالجارحِ.
(وَ) هذا القِسْمُ (الثَّانِي مَقْبُولٌ) عندَ الأكثرِ؛ لأنَّ وَصْفَ المُستدلِّ لَيْسَ بأَوْلى بكونِه جزءًا أو مُستقِلًّا، فإنْ رَجَّحَ استقلالَه بتوسعةِ الحُكمِ في الأصلِ والفرعِ فتَكثُرُ الفائدةُ، فللمُعتَرِضِ منعُ دَلالةِ الاستقلالِ عليها، ثمَّ له معارضتُه بأنَّ الأصلَ انتفاءُ الأحكامِ، وباعتبارِهما معًا، فهو أَوْلى لجوازِه، كمَن أَعطى قريبًا له فقيرًا احتملَ أنَّه أعطاه لقرابتِه، واحتملَ أنَّه أعطاه لفقرِه، واحتملَ أنَّه أعطاه لقرابتِه وفقرِه جميعًا؛ جَمْعًا بينَ الصَّدقةِ والصِّلةِ، وهذا أظهرُ الاحتمالاتِ لمناسبتِهما جميعًا للعطاءِ، وكونِ المكلَّفِ لا يُخِلُّ ببعضِ المصالحِ الَّتي تَعرِضُ له.
وإذا دارَ الأمرُ بينَ الاحتمالاتِ المذكورةِ كانَ التَّعليلُ بما ذَكَرَه المُستدلُّ ترجيحًا مِن غيرِ مُرَجِّحٍ، بل تعليلًا بالمرجوحِ؛ لأنَّ ما ذَكَرَه يَصِحُّ على تقديرِ واحدٍ مِن ثلاثةِ تقاديرَ، ويَبطُلُ على تقديرينِ منها، ووقوعُ اثنينِ مِن ثلاثةٍ أرجحُ وأظهرُ مِن وقوعِ واحدٍ منها.
ومثالُ ذلك: ما لو عَلَّلَ الحنبليُّ قتلَ المرتدَّةِ بقولِه: بَدَّلَتْ دِينَها فتُقتَلُ كالرَّجُلِ، فيَقولُ المُعتَرضُ: لا يَتَعَيَّنُ تبديلُ الدِّينِ مُقتضِيًا للقتلِ، بل هنا