للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَتْنُه»، فوَقَعَ في نَفْسِ الحنبليِّ أن يَمُدَّ يَدَه ويُحَرِّكَ الجلدةَ، فامتدَّ واستخفَّ بهم حيثُ دَلَّسُوا.

قالَ: وأَوْجَب الشَّرعُ والعقلُ التَّحرُّزَ مِن العوامِّ بالتَّقِيَّةِ كما يَلْزَمُه التَّحرُّزُ مِن مَضَارِّ الآخرةِ، حُكِيَ أنَّ حنفيًّا وَطِئَ رَجعِيَّةً فتَحَدَّثَتْ هي وابنٌ لها مِن غيرِه في قتلِه وإباحةِ مالِه، فعَلِمَ حنبليٌّ فأَعلَمَهم بإباحتِها، وهل يَسوغُ لعاقلٍ أنْ يُهمِلَ هؤلاءِ ولا يَفزَعَ منهم كلَّ الفزعِ، ويَتجاهَلَ كلَّ التَّجاهُلِ في الأخذِ بالاحتياطِ منهم، وإنْ أَهْمَلَهم بعينِ الازدراءِ ضَيَّعَ نَفْسَه، فإِنَّه عندَهم أهونُ وهم أكثرُ وعلى الإضرارِ به أقدرُ، وهل طاحَتْ دماءُ الأنبياءِ والأولياءِ إلَّا بأيدي هؤلاءِ وأمثالِهم، حيثُ رَأَوْا مِن التَّحقيقِ ما يُنكرون، ولا إقالةَ عالمٍ زلَّ في شيءٍ ممَّا يَكرهون (١).

(٢) (وَ) مَن أرادَ كتابةً في فتيا فـ (لَا) يَجُوزُ له (أَنْ يُكَبِّرَ خَطَّهُ، أَوْ يُوَسِّعَ الأَسْطُرَ، أَوْ يُكْثِرَ) من الألفاظِ (إِنْ أَمْكَنَهُ اخْتِصَارٌ فِيهَا) لتَصرُّفِه في مِلكِ غيرِه بلا إذنِه، ولا حاجةَ، كما لو أباحَه قميصَه، فاسْتعمَلَه فيما يَخرُجُ عن العادةِ بلا حاجةٍ، (و) كذلك (لَا) يَجُوزُ لمن أرادَ كتابةً (فِي شَهَادَةٍ) أنْ يُكثِرَ أو يُوَسِّعَ الأسطرَ (بِلَا إِذْنِ مَالِكٍ).

قالَ في «شرح الأصل»: وفيه نظرٌ، لا سِيَّما في الفتاوى؛ فإنَّ العلماءَ (٢) إذا كَتَبُوا عليها أَطْنَبُوا وزادُوا على المرادِ (٣).

ولمَّا انْتَهى الكلامُ في مباحثِ أدلَّةِ الفقهِ المُتَّفَقِ عليها والمختلفِ فيها، وكانَتْ رُبَّما تعارَضَ منها دليلانِ باقتضاءِ حُكمَينِ مُتَضادَّينِ، احتاجَ المجتهدُ إلى ما يُقدَّمُ منها وما يُؤَخَّرُ؛ لئلَّا يَأخُذَ بالأضعفِ منها معَ وجودِ الأقوى، فيَكونَ كالمُتيمِّمِ معَ وجودِ الماءِ، فلذلك أَعقَبَها بقولِه:


(١) «أصول الفقه» (٤/ ١٥٧٨).
(٢) زاد في «التحبير شرح التحرير»: لم يزالوا.
(٣) «التحبير شرح التحرير» (٨/ ٤١٠٨).

<<  <   >  >>