كثيرة، لأن العام المنصرم قد حرمنا من كثير مما كنا نتمناه، حتى بات كل من تلقاه يشكو عامه. . . طوينا صفحة السنة الماضية وعرفنا رصيد حسناتها وسيئاتها. أما نعم ونقم السنة الجديدة فلا تزال في عالم الغيب.
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ... ولكنني عن علم ما في غد عمي
جلاد مصر
بانقضاء السنة انقضت حياة رجل ولا كالرجال، وانصرم حبل أيام من صرّم الكثير من الآجل، بشد الحبال. . . مات العشماوي الجلاد باشمحرك الآلة الشانقة أو محتكر صنف الإعدام رسمياً في وادي النيل. توفي فتنفس المجرمون الصعداء، وهبت أشباح الذين شيعهم إلى عالم الفناء ترحب بقدومه. . . حمل على الآلة الحدباء إلى القبر، بعد أن ظل السنين الطوال يحمل آلة الإعدام من بلد إلى بلد، حيث يدعوه حكم القضاء، فكان:
يمشي وعزرائيل من خلفه ... مشمر الأردان للقبض
وقد اختلف الرواة في وصف أخلاقه، فمنهم من يمثل العشماوي قاسياً فظاً غليظاً ينفذ مأموريته دون أن تمس قلبه عاطفة شفقة، ومنهم من يقول غير ذلك. أما أنا فلم أتشرف - والحمد لله - بمعرفته ولا حاولت أن أصير من زبائنه، حتى أكون راوية صدق. . . كانت الحكومة تنقد العشماوي راتباً شهرياً مقرراً، قدره أربعة جنيهات، وكان يتقاضى عن كل مشنوق يشرفه بوضع الكرافاته في عنقه خمسة جنيهات أخرى.