حتى اهتديتَ إلى الصواب ولم يَزلْ ... بينَ الصوابِ وبينَ رأيِك موثِقُ
وأهبتَ فابتكرَ النضارُ سحائباً ... تَهمي وتفتقدُ المحيلَ وتُغدِقُ
إن أمرَعت تلكَ المواتُ وأَورقت ... فيها الرياضُ فإنَّما لك تُورِقُ
وأقلتَ عثرةَ قريةٍ حكَم الهوَى ... في أهلِها وقَضى قَضاءٌ أَخرَقُ
إِن أنَّ فيها بائِسٌ مما بهِ ... وأرنَّ , جاوبَهُ هناكَ مُطَّوقُ
وارحمتا لجناتِهم! ماذا جَنَوا؟ ... وقضاتِهم ما عاقَهم إن يتَّقوا؟
ما زال يقذي كلَّ عينٍ ما رأَوا ... فيها ويؤْذي كلَّ سمعٍ ما لقوا
حتَّى حكمتَ فجاَء حكمُكَ آيةً ... للناسِ طيَّ صحيفةٍ تتأَلقُ
نزلت تُرفرِفُ حول كاتبِ نَصِّها ... زُمَراً ملائِكةُ الرِّضي وتُحلِّقُ
شَكرتك مصرُ على سلامةِ بعضِها ... شُكراً يُغرِّبُ في الورى ويُشرِّقُ
ذَكَرَت لك الصفحَ الجميلَ ولم تزلْ ... تَرمي إلى أمرٍ أجلَّ وترمقُ
قانونُ دنشاوايَ ذاك صحيفةٌ ... تُتلى فترتاعُ القلوبُ وتَخفقُ
هل يُرتجى صَفوٌ , ويهدأُ خاطرٌ ... والموتُ بين نصوصِها يترقرقُ؟
ومضاجعُ القومِ النيامِ أواهلٌ ... بمعذّبٍ يُردَى وآخرَ يُرهقُ؟
لن تبلغَ الجرحى شفاءً كامِلاً ... ما دامَ جارحُها المهنَّد يبرقُ
فاحكمْ بغيرِ العنفِ , واكسرْ سيفَهُ؛ ... فالحلمُ أجملُ , والمكارمُ أليقُ
لك مصرُ ماشيها وحاضرُها معاً ... ولك الغَدُ المتحتِّمُ المتحقّقُ
والله عونُك إِن ركبتَ إلى العلا ... طُرقاً تضلُّ بها الهُداةُ وتَفْرَقُ
والأَمرُ أمرُكَ لا يُشابُ بربيةٍ ... والحكمُ حكمُك والإلهُ مصدِّقُ
[قصيدة شوقي بك]
أمَّا العتابُ فبالأَحبَّةِ أخلَقُ ... والحبُّ يَصلحُ بالعتابِ ويَصدُقُ
يا مَنْ أُحبُّ ومن أُجلُّ , وحسبُهُ ... في الغيدِ منزلةً يُجَلُّ ويُعشَقُ
البعدُ أدناني إليكَ فهل ترى ... تَقسو وتنفرُ؟ أمْ تَلينُ وترفقُ؟
في جاهِ حُسنِكَ ذِلَّتي وضَراعَتي ... فاعطفْ فذاكَ بجاهِ حُسنِكَ أَليَقُ
خَلُقَ الشَّبابُ ولا أزالُ أصونُهُ ... وأنا الوفيُّ مودَّتي لا تَخَلقُ
صاحبتُهُ عشرينَ غيرَ ذميمةٍ؛ ... حالي بهِ حالٍ , وعَيشيَ مُونِقُ
قلبي , ادّكرتَ اليومَ غيرَ موفَّقٍ ... أَيَّامَ أنتَ مع الشَّبابِ مُوفَّقُ
فخفقتَ من ذكرى الشباب وعهدِهِ ... لهفي عليكَ! لكلِّ ذكرى تَخفقُ
كم ذبتَ من حُرقِ الجوى واليومَ من ... أسَفٍ عليهِ وحسرةٍ تتحرَّقُ
كنتَ الشِباكَ وكان صيداً للصِّبي ... ما تَسترقُّ من الظباءِ وتَعتقُ
خَدَعتْ حبائلُكَ الملاحَ هُنيهةً ... واليومَ كلُّ حبالةٍ لا تَعلقُ
هل دونَ أيَّامِ الشَّبيبةِ للفتى ... صَفوٌ يُحيطُ بهِ وأُنسٌ يحدقُ؟
عبَّاسُ حكمُكَ في الرّقابِ مقيّدٌ ... سمحٌ , فأمَّا في القلوبِ فمطلقُ
أنَّي اتجهتَ توجَّهتْ مشغوفةً ... هذا الجلالُ زمامُها والرَّونقُ
ألعيدُ من رُسُلِ العنايةِ فاغتبطْ ... بصنوفِ ما حَملَ الرسولُ الشيِّقُ
الناسُ تنحرُ , والصَّلاةُ مُقامةٌ , ... وعداكَ يُنحَرُ جمعُهم ويُمزَّقُ
بكرَ الأَذانُ مُحيّياً ومهنِِّئاً ... ودَعا لك الناقوسُ فيما يَنِطقُ
أثنى الخطيبُ عليك قبلَ صَلاتِهِ ... وأَجلَّ ذكرَكَ في الصَّلاةِ البَطرقُ