وأَنَّ فرعونَ في حَولٍ ومقدرةٍ ... وقومَ فرعونَ في الإِقدام كفؤانِ
إذا أقام عليهم شاهداً حَجَرٌ ... في هيكل قامتْ الأُخرى ببرهانِ
كأنما هي - والقوام خاشعةٌ ... أمامها - صُحُفٌ من عالَمِ ثانِ
تَستقبلُ العينَ في أثنائِها صُوَرٌ ... فصيحةُ الرمز دارتْ حولَ جُدرانِ
لو أنها أُعطِيَتْ صوتاً لكانَ لهُ ... صدىً يُروّع صُمَّ الأُنس والجانِ
أين الأُلى سَجَّلوا في الصخرِ سيرتَهم ... وصَغَّرُوا كلَّ ذي مُلكٍ وسلطانِ
بادُوا , وبادَتْ على آثارهم دُوَلٌ ... وأُدرِجُوا طيَّ أخبارٍ وأكفانِ
وخلَّفوا بعدَهُم حرباً مُخلَّدةً ... في الكون ما بينَ أحجارٍ وأزمانِ
وزُجزِحوا عن بقايا مجدِهم , وسطا ... عليهمِ العلمُ ذاك الجاهلُ الجاني
ويلٌ لهُ! هتك الأستارَ مُقتحِماً ... جلالَ أكرمِ آثارٍ وأعيانِ
لَلْجَهْلُ أرجحُ منهُ في جهالتهِ ... إِذا هُما وُزِنا يوماً بميزانِ
[رثاء المرحوم بطرس باشا غالي]
لهفَ الرياساتِ على راحلٍ ... قد كانَ ملَء العينِ والمِسمعِ
لهفَ العُلى قد عُطّلَتْ من سنا ... بدرٍ هوى من أوجِها الأرفعِ
تبكي المرؤاتُ على بطرسٍ ... ذاك الهُمامِ الماجدِ الأروَعِ
فتَّشتُ لمَّا لم أجِدْ مقلتي ... كفوءاً عن الفضل ليبكي معي
فقيلَ لي: قد ساَر في إِثرهِ ... يومَ دفنَاهُ , ولم يرجعِ
يا مجرياً دمعَ الملا أبحراً ... أدْركهمُ يا مُرقىَ الأدمُعِ
يا نازلاً بين وفودِ البلى ... آنستَهُمْ يا مُوحِشَ الأربُعِ
عينيَ فيكَ اليومَ قبطيّةٌ ... تروي الأسى عن مُسلِمٍ موجعِ
يهيمُ من وجدٍ ومن لوعةٍ ... في الجانبِ الأيسرِ من أضلُعي
ويأخذُ البرَّ وآيَ الوفا ... عن الكتابِ الطيّبِ المَشرَعِ
يا من سقاني الجمَّ من ودّهِ ... هذا ودادي كلُّهُ فاكرَعِ
يا حاملَ القلبِ الكبيرِ الذي ... لم ينقُضِ الميثاقَ قُمْ واسمعِ
[رثاء المرحوم إسماعيل ماهر بك]
القاضي في المحكمة المختلطة
أناعي ماهرٍ , لم تدرِ ماذا ... أثرتِ من الشجونِ الكامناتِ
نعيتَ إِليَّ أياماً تقضَّتْ ... بإسماعيلَ غُرّاً صافياتِ
ألا مَنْ للضعيفِ إذا تقاضى ... ولم يرَ شخصَهُ بينَ القُضاةِ!
ومِنْ للعدلِ إِن رَفَعَتْ بُناةٌ ... دعائَمهُ , ولم يكُ في البُناةِ!
أماهرُ! إِنَّ وعدَ اللهِ حقٌّ ... وما جَزَعي عليكَ من التقاةِ
فما لي , والأناةُ مِلاكُ نفسي ... هلعتُ ولم تُجمِّلْني أناتي
وما لي , إِن أُمرتُ ببعضِ صبرٍ ... رأيتُ الصبرَ إِحدى المعجزاتِ
أماهرُ! كُنتَ فيما مرَّ أُنسي ... فَمنْ لي في الليالي الباقياتِ؟
وكُنتَ إِذا شكوتُ تبيتُ وجداً ... تُردِّدُ ما يَريبُك من شكاتي
وتسألُ ساري النَّسماتِ عنّي ... حُنوّاً والبروقَ الوامضاتِ
ومن يفقدْ شبيهَك يبكِ دُنياً ... تولَّتْ بالمودَّة والمِقاتِ
كذَبتُك لو صدقتكَ بعض ودّي ... لهدَّ جوانبي صوتُ النُعاةِ
ولاستقصتْ حيالَ النعشِ عيني ... وراَءك راحِلاً همَ البُكاةِ
برْغمي أن تَقلَّصَ مِنكَ ظلٌّ ... وقاني حقبةً لفحَ الحياةِ
وأن نضبَتْ خلالٌ كُنْتُ منها ... أعُبُّ لديكَ في عذبٍ فراتِ
وأن صفرتْ يميني من ودادٍ ... غنيتُ بهِ لياليَ خالياتِ