أَتُجيدينَهُ البيانَ على الأفنا ... ان والنَّاسُ لا تُجيدُ البيانا؟
وتعيشين , والرجالُ بلُبنا ... نَ يموتونَ شقوةً وهَوانا؟
إن كفّاً تفصِّلُ الثوبَ للعر ... سِ لَكَفٌّ تفصِّلُ الأَكفانا
[دواء الهموم]
تَبسَّم وشعشِعْ لي السُلافةَ في الكأسِ ... فثغرُكِ في ليل الحوادثِ نبراسي
ولا تلمَسِ الكأسَ التي قد رشفتُها ... أخافُ على كفيَّكَ من حَرِّ أَنفاسي
يقولُ ليَ الآسي: فؤادُكَ موجَعٌ ... فمَن أَنبأَ الآسي بفعلِكَ يا قاسي؟
ويَنصحُني الأخوانُ بالخمرِ إنَّها ... على زعمِهم تَشفي من الألمِ الراسي
فها أنا أستَشفي بها كلَّ ليلةٍ ... ألم ترني أستتبعُ الكأسَ بالكأسِ؟
وأعجبُ من نفسي , ودائي بمهجتي ... أعالجهُ بالخمرِ تَرقى إلى راسي
[اللؤم]
فتىً يتعثَّرُ في لُؤمه ... كما يَتعثَّرُ في جَهلِهِ
نواظِرُهُ تحتَ أقدامهِ ... كباحثةٍ ثَمَّ عن أصلِهِ
لَتُسقِطُ أُمُّ الجنينِ ابنَها ... إذا حَلِمت بفتىً مثلِهِ
ولو أَبصرَت عينُهُ وَجهَهُ ... لقُلتُ العفاءُ على نسلِهِ
[محمد توفيق علي]
شاعر أديب أنيق الديباجة , واضح الأسلوب , شريف الغاية , سامي المرمى. وهو أحد شعراء مصر الذين تغنوا بالشعر تحت ظلال السيوف وخفق البنود. كان ضابطاً في الجيش فإذا خلا لنفسه من مهام الجندية , استيقظ الشاعر الرقيق في صدره , وحل القلم في يمينه محل الشيف. ففي السودان آثار جنديته وفي مصر وطنه الذي أحبه ملء جوارحه آثار شاعريته. وقد استعفي من الجيش وانقطع إلى مزرعة له مؤثراً صحبة المحراث على صحبة الشيف والقلم.
[السيف والقلم والمحراث]
لا السيفُ في مصرَ يُرضيني ولا القلَمُ ... كلاهما في يمينِ الحُرِّ مُنثَلِمُ
جرَّدتُ سيفي وأقلامي , وبي أملٌ ... واليومَ أُغمدُها يأساً , وبي ألَمُ
يُريد بي الدهرُ , لا تمَّتْ إِرادتهُ , ... ذُلاًّ وفقراً , ويأبى العزُّ والكَرَمُ
سأصرفُ العمرَ حُرّاً لا يُقيّدُوني ... إِلاَّ التُقى والنُهى والمجدُ والشَّمَمُ
وأطلبُ المالَ , لا زهواً ولا سرَفاً , ... فإِنما المالُ في أهلِ النُهى ذِمَمُ
وخيرُ ما يَقتني المصريُّ مزرعةٌ ... يشقى بها الفاسُ والمحراثُ والنَّعَمُ
باللهِ يا سيفُ! هل ضُمَّت عليك يدٌ ... في الرّوعِ مثلُ يدي , والهولُ يحتدمُ؟
وهل سواي فتىً زانتكَ صحبتُهُ ... يغشىَ بك الموتَ مُختالاً ويقتحِمُ
ألستَ كنتَ ترى حقَّ الرئاسةِ لي ... إِن راحَ يخفُقُ فوقَ الفيلقِ العَلَمُ
لكنَّ للدهرِ جيشاً من حوادثهِ ... إِذا رآني ولّى , وهو منهزمُ
ويا يراعيَ , إِنَّ الصمتَ من ذَهبٍ , ... لا يَسمعونَ وفي آذانِهم صَمَمُ
قد يُسجَنُ البلبلُ الغِرّيدُ في قفَصٍ ... وينعبُ البومُ في الآفاقِ والرَخَمُ
للهِ بهجةُ حقلي! ما يُماثلُها ... في حُسنها السيفُ مصقولاً عليهِ دَمُ
ويا سطوراً بمحراثي أُدبِّحُها ... لا يستقلَّ بها القرطاسُ والقلمُ
تفتَّحَ الزهرُ منها عن مباسمهِ ... وراحَ يرتَعُ فيها مُقلةٌ وفَمُ
هذا هو الخيرُ معسولاً مواردُهُ ... هذا هو العيشُ , إِلاَّ أَنَّهُ حُلُمُ