للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مقالات باكون]

٣ - الانتقام

وما مات منا سيّدٌ حتفَ أنفهِ ... ولا طُلَّ منا حيث كان قتيلُ

الانتقام عدالة الوحشين. وإذا امتزج حبهُ بالنفوس يكون كالسُّم خالط الشراب؛ لأن من يقترف ذنباً يضرُّ بنظام الشرائع؛ وأما من حقد على عدوّ له , وأخذ بثأر قتيلٍ , أو شرفٍ ناله أذى , فإنهُ ينتزع سلطة الشرائع ويعبث بها. على أن من قابل السيئة بالحسنة , وعفا عمن أذنب , فقد أمسى كريماً , لأن العفو من شيم الكرام. وأما من استكبر , وقابل الإساءَة بأختها , فقد حطَّ من مقدار نفسهِ , ووضعها ونفسَ المسيء على بساط المساواة. وقد كان سليمان الحكيم يقول: إن الجنة مأوى الغفور. وما الانتقام إلا تمرّد في النفس قد أنبته ذنب انقضى عهده. فما لنا وذلك الماضي الذي فات , وخير لنا أن نعني بيومنا وغدنا من أن ننظر في شأن أمور كانت بالأمس. وليس الظلم من شيم النفوس , إنما حب النفس يدفع الناس إلى الظلم والشر. فكل يظلم لمغنم يستجلبه , أو لحاجة في نفسه يقضيها , أو لنيل شرفٍ يسعى ليدركه. فماذا علينا من رجل يحب الخير لنفسهِ , ويكرههُ لغيره. أما من يظلم الناس ليشفي غليلاً في الفؤاد , لأن الشرّ

<<  <  ج: ص:  >  >>