الضميرُ قوَّةٌ من قوى النفس , بها يُقابل الإنسانُ أعمالهُ على الناموس الأدبي , ويشعر بالسرور أو الكدّر لمطابقة أعمالهِ لذلك الناموس أو لمخالفتها. فالضمير يستحثُّ الإنسان على إِتمام الواجب , ويدفعهُ على عمل الخير , أو يبكّتهُ على ارتكاب المنكر. فهو بشير السعادة الأبدية , ونذير الهلاك الدائم. ليست أفعال الحيوان ناجمةً عن شعورٍ بوجوب قضائها , وتَحتُّم إِجرائها. بل هي ناتجة إِما عن خوفٍ واقع , وإِما احتياج دافع. وليس الإنسان كذلك , بل أنَّ لمبدع الحكيم خصَّهُ بطبيعةٍ أدبية , وصفاتٍ كمالية فطرية. فسنَّ له من ناموس المحبة الكامل , وجعل له قائداً يُرشدهُ إليهِ , ودليلاً يدلهُ عليهِ , وما ذاك المرشد الدليل إلاَّ الضمير. إذا أردنا أن نحكم على أعمال الغير , نتصوَّر ما يبدو لنا من أعمالهم وما ينبئ عن أفعالهم. ونقابل ذلك على الناموس الأدبي , فيتّضح لنا ما ينطبقُ عليهِ , وما يشدُّ عنهُ , ومن ثمَّ يكون حكمنا صحيحاً مبنيّاً على التحقيق , صادراً عن العقل الأدبي وليس عن الضمير , لذلك لا نشعر في هذا الحكم بنخره ولا بمدحه. وليس الضميرُ معلولَ الخوف , إذ أنهُ موجودٌ في تسنموا أسمى المراتب , واستلموا زمام الأمور , يديرونها كيفما شاؤوا وشاءَ الهوى , فخافهم الجميع ولم يخافوا أحداً.