لم يكَدْ انتخاب المسيو يَذيع حتى أعلن رغبتهُ في خلع نير الرسميَّات وميله إلى حرية المعيشة. فهو يريد أن يؤمَّ هذا المكان , أو يختلف إلى ذلك الموضع بغير عين ولا رقيب. وهو يبتغي أن يثابر على مشاطرة المجمع العلمي الفرنساوي أعمالهُ. وأن يتناول الطعام عند أصدقائهِ إيانَ شاءَ دون أن يحاذر لومة لائم على مخالفتهِ لقواعد العادات المرعية في الرسميات. إن الرغبة التي أبداها المسيو بوانكاره على أثر انتخابهِ لرئاسة الجمهورية الفرنساوية تدلُّ على عواطف ديموقراطية حقيقة كامنة في صدر ذلك الرجل العظيم الذي أجمعت الكلمة على استحسان انتخابهِ لذلك المنصب الرفيع. وهي لعمر الحق عواطف لا يسع كلَّ ذي عقل سامٍ إلاَّ إطراؤها. أجل أن الرسميات المقضي على رئيس الجمهورية الفرنساوية التقيّد بها في هذه الأيام , لم تعد معدودة شيئاً مذكوراً بالنسبة إلى الرسميات الكثيرة التعقيد التي كان العمل جارياً بموجبها في العصور الماضية في قصور ملوك فرنسا. ومع ذلك فإن المسيو بوانكاره أنف من الخضوع لها. وهبْ سلّمنا بوجوب العمل بمقتضي قواعد الرسميات في بعض الحفلات التي تقتضي تصدُّر رئيس الجمهورية فها , كالأعياد العمومية واستقبال رؤساء الحكومات الأجنبية وسفرائهم , فلا يمكننا التسليم بضرورة بقاء ذلك الرئيس مقيداً بتلك القواعد في معيشتهِ البيتية. ففي جلسة عقدت في ٢١ سبتمبر أيلول سنة ١٧٩٢ اقترح مانويل أن يقيَّد زعيم الجمعية العمومية بقواعدَ رسميات تُعيد إلى الذهن ذكرى بعض القواعد التي كانت مرعية في عهد الملكية الملغاة. فللحال ارتفعت أصوات الاعتراض على اقتراحه وأُقيم النكير عليهِ بالصوت الحيّ. وكان من جملة مقال تاليان في ذلك الصدد: إني ليدهشني تباحثكم في أمر الرسميات. فلا يمكن أن يوضع موضع المناقشة