كانت نظارة المعارف العمومية في الآستانة قد أدخلت في برنامج المدرسة الملكية العليا - قبل تسعة عشر عاماً - درس قانون التجنيد واختارت لتفسيره وتدريسه المرحوم رفيق بك مانياسي زاده الذي صار في زمن الدستور وزيراً للعدلية والمذاهب ثم توفاه الله إليه. وهذا الفصل مقدمة لتلك الدروس وهو يتناول تاريخ الجندية العثمانية نقله إلى العربية صديقنا الكاتب الفاضل محب الدين أفندي الخطيب:
لم تكن أمور الجندية في أوائل سلطنة آل عثمان مؤسسة على أساس متين , وإنما كان أفراد الأمة القادرون على معاناة الحرب والنضال يتقلدون أسلحتهم يوم الزحف ويتقدمون للدفاع عن الدين والوطن. وكانت الجنود في عهد السلطان عثمان مؤسس السلطنة وفي عهد أرطغرل والده تسمى فرساناً لأنهم كانوا يؤدون وظيفة الجندية يومئذٍ ركباناً. وكان السلطان عثمان ينشر المنادين في المدن والقرى عندما تصحُّ عزيمته على الحرب , فينادي هؤلاء بالناس إلى دارة الإِمارة. ومع ذلك فقد كان ثمة - غير هؤلاء المتطوعين - عساكر خاصة وأتباع ورؤساء يوجدون دائماً حيث يوجد مركز الحكومة. وبعد سنة من استيلاء مجاهدي الإسلام على مدينة بروسه أصبحت هذه المدينة عاصمةً , وصار للحكومة العثمانية مكانة خاصة بين ملوك الطوائف. وهذا ما حمل العمانيين على العناية بوضع للإدارة وسن القوانين التي لا بد منها للسير في مضمار الحضارة والارتقاء. وكان في جملة ذلك أن نالت الجندية ونظاماتها حظّاً من هذه العناية , فتولى الوزير المدبر علاء الدين باشا أخو السلطان أورخان اختيار الأقوياء من أبناء الترك وخصهم بمقدار كاف من العلف وعهد إلى قره خليل الشندرلي وهو قاضي بلاجك إن يزيد في عدد الجند وتنظيمه. أما مولانا القاضي خليل فقد بذل همةً فائقة في هذا السبيل , حتى كثر عدد هؤلاء الأبطال , فرتب لكل واحد منهم مرتباً يومياً بقيمة أقجة ربع درهم شرعي تعطى لهم إبان الحرب حتى إذا انقضت قطع العلف اليومي عنهم وإذن لهم