اتجهت الأنظار في الآونة الحاضرة إلى جبل لبنان انتهاء مدة حاكمهِ العام واجتماع السفراء بالباب العالي في الاستانة لتقرير التعديل المرغوب في إدخاله على النظام الأساسي. ولما كانت مثل هذه الشؤون السياسية لا تدخل في دائرة أبحاث الزهور لم نشأ أن نتعرض لها من هذه الوجهة بل اكتفينا بإيراد كلمة من الوجهة الاجتماعية التاريخية سنردفها ببحثٍ واف في وقت قريب. كان الأمراء في لبنان أصحاب السلطة المطلقة شأن معظم حكام ذلك الزمان. فكانت البلاد تسعد أو تشقى لمجرد استعداد أميرها ورغبته في إسعادها أو ظلمها. وقد تولى الحكم في لبنان أمراء كثيرون أشهرهم الأمير فخر الدين المعني والأمير بشير الشهابي والأمير حيدر اللمعي. ثم كان أن أخذت الرعية تفهم حقوقها وتدرك أن الحاكم إنما هو منها وبها , فشرعت تعمل على تقييد سلطته. وأخذ أفرادها يجدّون ويجتهدون , فأثروا علماً ومالاً واكتسبوا نفوذاً بعيداً , فحدثت في البلاد حركات سياسية واجتماعية أفضت منذ نصف قرن إلى تغيير الهيأة الحاكمة ونزع السلطة من الأمراء والزعماء وتأليف الحكومة اللبنانية على شكلها الحاضر. وكانت قاعدتها الأساسية المساواة بين أفراد الرعية بإلغاء امتيازات الأسَر وأصحاب المقاطعات. فكان لهذا الانقلاب أكبر تأثير في ذوي المقامات وهم لم يتعوّدوا إلا توّلي الأحكام فتضعضعت أحوالهم وساء مصيرهم , وهذه