أهمُّ المبادئ التي تسير عليها الأمم , وتُعتبر منار التاريخ وعماد الحضارة , المبادئ الدينية؛ وقد كانت الدوام أهمَّ عنصر في حياة الأمم , وهي لذلك أهمُّ عنصر في تاريخها. فأكبر حوادث التاريخ التي أنتجت أعظمَ الآثار هو قيامُ الديانات وسقوطُها. وأوّلُ المسائل الأساسية , في الأزمان الغابرة وفي الأزمان الحاضرة , المسائلُ الدينية. ولو أن الإنسانية رضيت بموت جميع آلهتها لكان هذا الحادث أعظمَ الحوادث التي تمَّت فوق وجه ارض منذ ظهرت المدنيات الأولى. لا ينبغي لنا أن ننسى أنَّ جميع النظامات السياسية والتدبيرات الاجتماعية قامت , منذ بداية التاريخ , على معتقدات دينية , وأن الآلهة هي التي لعبت أكبر دور في الحياة الإِنسانية , وأنَّ الدّين أسرع مؤثر في الأخلاق لا يدانيهِ مؤثر اللهمَّ إلاَّ الحب؛ والحب دينٌ , إلاّ أنهُ دِين ذاتيٌّ غير دائم. وإذا أردت أن تعرف على أي حال تكون الأمة التي اهتاجها خيالهُا فانظرْ إلى فتوحات العرب والحروب الصليبية والاضطهاد الأندلسي وحال انكلترا أيام البوريتيين وسانت بارتلمي في فرنسا وحروب الثورة الفرنساوية. إلاّ أن للأوهام سحراً مستمرّاً شديدَ التأثير يتغير بهِ المزاج العقلي تغيراً كلياً. خَلَقَ الإنسان الآلهة ولكنها ما لبثت أن استعبدتهُ. وأنها بنتُ الأمل لا بنتُ الخوف كما وصفها لوقريس لذلك كان تأثيرها سرمديّاً. لقد كان من تأثيرها فيهِ أن جعلت عقله متشبعاً بفكرة السعادة فامتازت بذلك على كل مؤثر سواها , وقصرت الفلسفة عن إدراك هذه الغاية حتى الآن. نتيجة كل حضارةٍ إن لم نقل غايتها , وكلِّ فلسفة , وكلِّ دين , تكوينُ حالات عقلية خاصة , بعضها يقتضي السعادة , وبعضها لا يقتضيها. وترجع السعادة