اتخذ الإنسان الحروف , والأنغام , والألوان , والأحجار ليعبر عن أفكار عقله وعواطف قلبه. فنشأ عن ذلك فنُّ الكتابة وفنُّ الموسيقى وفنُّ التصوير وفنّ الهندسة. وكل فنٍّ من هذه الفنون يُعدُّ مظهراً من مظاهر العقل البشري , وشكلاً من الأشكال التي تجلى بها في خلال الأجيال والعصور؛ فنبغ الكتَّاب البارعون , والموسيقيون المطربون , والمصوّرون الحاذقون , والنقاشون الصانعون. وكانت درجة نبوغهم بنسبة حذقهم في استعمال المادة الأوَّلية - من ألفاظٍ وأنغامٍ وألوانٍ وأجار - في إبراز مولّدات أفكارهم وبنات قرائحهم. إن البصير المتأمل يقرا تاريخ الفكر البشري تارة مدوّناً في كتاب , وطوراً موقّعاً في لحن , وحيناً ممثلاً في رسم , وآوانة منقوشاً في بناء , حسبما كتبهُ القوم بحروف أو نغم أو لون حجر. وما أهرام مصر , وبعلبك الشام , وحدائق بابل , واكروبول آثينا , وكابيتول رومه , وإيوان كسرى , والخوزيق والسدير , وبرج إيفل , وجسر بروكلين إلاَّ صفحات كبيرة من ذلك الكتاب العظيم المدوَّن فيهِ تاريخ البشر القديم والحديث بحروف من حجارة وحديد. فنقرأ بنتاؤور وهوميرس وفرجيل وامرئ القيس وغيرهم , أو كما نسمعها في نغمات