لو أنصفت تلكَ الحمامةُ لوعتي ... نَضَتِ الخضابَ ومَزَّقتْ أطواقَها
يا هذهِ , حتَّى الغُصونُ لما بها ... نثرَتْ على وجهِ الثَرى أَوراقَها
مثلَ التي لَزِمَ الخفوقُ جناحَها ... أصبحتُ مرتكِضَ الحشَا خفَّاقَها
داءٌ تحاماهُ الطبيبُ , وعِلَّةٌ ... طَلبَ العليلُ فلم يَجِد أِفراقَها
مرَّتْ بنا الأُممُ الطليقةُ , وانثنتْ ... أُخرى تُعالجُ أسرَها ووِثاقَها
هذي الجيادُ , فمنْ تعاطى شأوَا ... يا شرقُ ومَنْ أراد سبِاقَها
يا مَشرِقَ الشمسِ المنيرةِ , إِنَّها ... وأبيكَ , شمسُكَ فارقت إِشراقَها
أمَّا لياليكَ التي قد أقمرَتْ ... فلقد طوَت لكَ محوَها ومَحاقُها
فاقت وبزَّتْ أُمَّةٌ غربيَّةٌ ... مَنْ بزَّها في المشرقَين وفاقَها
وإِذا أرادَ اللهُ رقدةَ أُمَّةٍ ... حتَّى تَضيعَ , أضاعَها أخلاقَها
مَلَكَ الضَّلالُ زمامُها , فإذا حَبت ... أو أمسكَت سببَ المعالي عاقَها
رأتِ العدالةَ لا تروقُ لعينِها ... فتلمَّستْ في الليلِ ظُلماً راقَها
عَجلت على البلوى فساقت نفسَها ... للموتِ , أو عَجل البلاءُ فساقَها
ما عُذرُ طائفةٍ أضاعت مصرَها ... أنْ لا تُضيعَ شامها وعِراقَها
بَرزتْ وقابَلَها الزمانُ بسيفهِ ... فأطنَّ ساعِدَها وعَرقبَ ساقَها
أين الذين إذا اكفهرَّتْ أوجهٌ ... هبُّوا لنا طُلْقَ الوجوهِ عِتاقَها
للهِ أَطماعٌ أصابت خُلْفَها ... فيهم , وآمالٌ رأتْ إِخفاقَها
نَظرَتْ إلى الحُلمِ الجميل فهاجَها ... ورَنت إلى الطيفِ الملمِّ فشاقَها
أوَ ما تشوقُكَ يا خيالُ بقيَّةٌ ... في أنفُسٍ لكَ كابدت أشواقَها؟
[إيليا أبو ماضي]
أديب أوحي إليه الشعر وحياً فقاله عفو الخاطر , وأرسله سهلا رائقاً , سائغ البيان , صافي الديباجة. لم يتلق آداب اللغة في مدرسة , ولا أخذ النظم عن أستاذ أو عن كتاب , فهو أديب بالفطرة وشاعر بالسيقة.
[القوة والضعف]
ليسَ يدري الهمَّ غيرُ المبتلي ... طالَ جنحُ اللَّيلِ أو لم يَطُلِ
ما لهذا النَّجمِ مثلي في الثرى ... طائرَ النَّومِ شديدَ الوجلِ!
أتُراهُ يَتَّقي طارئةً ... أم به أَنّي غريبُ المنزلِ
كلمَّا طالعتُ خَطباً جَلَلاً ... جاَءني الدهرُ بخطبٍ جَللِ
أشتكي الليلَ ولو ودَّعتُهُ ... بتُّ من همّمي بليلٍ أليَلِ
يا بناتِ الأفقِ ما للصبّ من ... مُسعدٍ في الناسِ هل فيكنَّ لي؟
لا عَرفتنَّ الرزايا إِنَّها ... شَيَّبت رأسي ولم اكتَهِلِ
سهدَت سُهدي الدراري إِنَّما ... شُدَّ مابين المعنَّى والخلي
ليت شعري! ما الذي أعجبَها؟ ... فَهْيَ لا تنفكُّ ترنو من عَلِ
أنا لا أغبطُها خالدةً ... ولقد أحسدُها لم تعقلِ
كلمَّا راجعتُ أحلامَ الصِّبي ... قلتُ: يا ليتَ الصِّبي لم يَزلِ
أيُّها القلبُ الذي في أضلِعي ... إِنَّما اللَّذةُ جَهلاً فاجهَلِ
تجمل الرقَّةُ في العضبِ فإِن ... كنتَ تهواها فكن كالمِنصَلِ
هيَ في الغيدِ الغاني قوَّةٌ ... وَهْيَ ضعفٌ في فؤادِ الرَّجلِ
لا يغرُّ الحسنُ ذا الحسنِ فقد ... يَصرَعُ البُلبلَ صوتُ البُلبلِ
تُقتلُ الشاةُ ولا ذنبَ لها ... هيَ لولا ضعفُها لم تُقتَلِ
إِن تكنْ في الوحشِ كُنْ ليثَ الشَّرى ... أو تكنْ في الطيرِ كنْ كالأجدلِ