[خليل مطران]
نشأ تحت سماء سوريا , بين أوديتها الخضراء وجبالها البيضاء , أمام بحرها الصافي وأمواجه الزرقاء , فجاء شعره رقيقاً لطيفاً. وترعرع وشبَّ في وادي النيل بين آثار المدنية القديمة وصروحها العظيمة , فكان أنشاؤه فخماً عظيماً. عاش تارةً في القرى والجبال , فتشرَّب حب الفضيلة والطبيعة , فأسمعنا الشعر زاهراً طاهراً. وعاش طوراً في المدن , فراعه ما فيها من التعس والشقاء , فألقى علينا إنشاؤه مبكياً زاجراً. شعره مجمع الصور وملعب الخيال , ونفسه كالصحيفة الحساسة ينطبع عليها كل ما يمر بها , بل الغصن الرطب يميل به كل نسيم , بل وجه البحيرة الصافي تحركه كل ريح , فالخليل شاعر الشعور والخيال , وشاعر بعلبك والأهرام. أما من حيث المبنى فقد عرف أن يستفيد من لغات الأجانب دون تقليد , وينهج نهج قدماء العرب دون تقييد. فاحترس بصبغة العرب في التعبير , وأدخل أساليب الإفرنج في التأليف والتفكير.
[تحية الشام لمصر]
تليت في الحفلة التي أقيمت في مصر برئاسة دولة الأمير محمد علي باشا الجناب الخديوي لمساعدة منكوبي تلك الحادثة:
إلى مصرٍ أزفُّ عن الشامِ ... تحيَّاتِ الكرامِ إلى الكرامِ
تحيَّاتٍ يَفضّ الحمدُ منها ... فَمَ النَّسَماتِ عن عَبَقِ الخُزامِ
نُدبتُ لها وجرَّأني اعتددِي ... بأَقدارِ الدُّعاةِ على القيامِ
إذا ما كان معروفٌ وشكرٌ ... مبادَلةَ التَّصافي والوئِامِ
فحُبّاً أيُّها الوَطَنانِ! إِني ... وسيطُ العقدِ في هذا النظامِ
وسيطُ العقدِ. . . لا عن زَهوِ نفسٍ ... أقَلُّ الرأيِ يُلزمني مَقامي
ولكن عن ولاءٍ بي أكيدٍ ... وعن رَعيٍ وثيقٍ للذِّمامِ
أعِزْني ثغرَ بيروتَ ابتساماً ... أَصُغْ فَرْضَ الجميلِ من ابتسامِ
ويا بحراً هناكَ أعِزْ ثنائي ... نفيسَ الدرِّ يُنظَمُ في الكلامِ
ويا غاباتِ لبنانَ المفدَّى ... مِنَ الدَّوحِ المجدَّدِ والقُدامِ
أراكِ على الكِنانةِ عاطِفاتٍ ... وقد ذُكِرت. أمَيلُكِ مِنْ غَرامِ؟
أمدّيني بأرواحٍ زواكٍ ... لأقرئَها الزكيَّ من السلامِ
بلادي , لا يَزالُ هواكِ منّي ... كما كانَ الهوى قبلَ الفِطامِ
أُقبِّلُ منكِ حيثُ رَمى الأعادِي ... رُغاماً طاهراً دونَ الرَغامِ
وأَفدي كلَّ جُلمودٍ فَتيتٍِ ... وَهي بقنابِلِ القومِ اللئامِ
فكيفَ الشبلُ مختبطاً صريعاً ... على الغبراءِ , مهشومَ العظامِ؟
لَعَمرُ المُنصفينَ! أبعدَ هذا ... يُلامُ المستشيطُ على المَلامِ؟
لحى اللهُ المطامِعَ حيثُ حَلّتْ ... فتلكَ أشدُّ آفاتِ السَّلامِ
تَشوبُ الماَء وهو أغرُّ صافٍ ... وتَمشي في المشارِبِ بالسّقامِ
أيُقتلُ آمِنٌ , ويقال رَفِّهْ ... عليكَ فما حِمامُكَ بالحِمامِ؟
ستَسعدُ بالذي يُشقيكَ حالاً ... وتنعمُ بعدَ خسفٍ بالمقامِ
فإِمَّا أن تعيشَ وأنتَ حُرٌّ ... فذاك من التَّغالي في المُرامِ
وإِمَّا أنْ تُساهِمَ في المعالي ... فَطائشةٌ بَمِرماكَ المرامي
مضى عهدٌ يُجارُ الجارُ فيهِ ... ويُؤْخذُ للحلالِ من الحرَامِ
وهذا العهدُ مَيدانُ التباري ... بلا حَدٍّ إلى كسبِ الحُطامِ
مُباحٌ ما تشاءُ فَخّذْهُ إِمَّا ... بحقِّ الرأيِ أو حَقِّ الحُسامِ