أرسل انيبال إلى قرطجنة عدَّة إمداد ممتلئةً بالخواتم والفتخ الذهبية التي أخذها إسلاباً من قتلى أشراف الرومانيين ولكن لم نجدُ لهُ في تضاعيف التاريخ ذكر مُنكَر أناه , ولم يسفكْ دمَ إنسان بلا حرب. فينتج من كلامنا أنّ شهادةَ المؤرخ الروماني تعودُ على قائدنا هذا بالفخر والشرف. وبالاختصار فإن أقوالَ التواريخ والأزمنة التي توالت بعد هذا البطل سيردّده جميعُ الأمم والأجيال إلى منقضي العالم. وذلك أنَّ مظهرَ حياةِ هذا القائد المجيد , لهو أشرفُ مظاهر الحياة البشرية في هذه الدنيا لدلالتهِ على همةِ عالية , ومدارك سامية يندرُ وجودُها , خصوصاً حياته خلت عن كل أربٍ شخصي , وأثرة ذاتية , لم يلابسها إلاّ هوى فرد , ألا وهو حبُّ الوطن حتى أنهُ قضى أخيراً شهيد محبته لوطنه.
[يوليوس قيصر]
قائد روماني ولد سنة ١٠٠ قبل المسيح وتوفي ٤٤ ق. م.
ها أنّا موردون ترجمة شهيد آخر لم يتفانَ في حبّ وطنهِ , ولكن ذهب قتيل الطمعِ - نريد بهِ هذا الرجل العجيب المنقطع النظير , الذي لم يكن يخلو عن ضربٍ من ضروب النقائض والرذائل , وكانت حياتهُ كلها عبارةً عن سلسلة تعدّياتٍ على وطنهِ. وبالجملة فإنَّ هذا الرجلَ هو قيصر ثالثُ الرجال العظام المشاهير في الأقدمين. وُلدَ ونشأ وشبَّ متحلياً بصنوف الصفات , فإنهُ كان شجاعاً فصيحاً لطيفاً كريماً جواداً مفرطاً في السخاء؛ بيدَ أنهُ كان يؤثِرُ السذاجةَ في أعماله؛ ولكن لم يكن عندَه أٌلُّ همّ في أن يفرق بين الخير والشرَ , لا في العمل ولا المبدأ. وكان قصارى همهِ ومبدأ جميع أعماله طلب الغاية التي قصّر عن بلوغها