للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الفضيلة]

وجدتني يوماً من أيام هذه الحياة في عاصمةٍ من عواصم هذا العالم استفزتني فيها مشاهد متباينة أضحكنَ وابكينَ؛ وظللتُ متجولاً في مشارعها وشوارعها , وأنديتها وأوديتها , كأني ناشد ضالةً وهل تنشد في ظلمات هذه المدينة إلاَّ الفضيلة الضائعة لا بل الضالة لأنها هبطت من المحل الأرفع وهوت من الفضاء إلى ثرى الغبراء ومن عالم النور والسيَّارات والشموس , إلى عالم الظمة ظلمة الفضاء والعقول والنفوس , ونزلت من السماء سماء الصمت والسكون والراحة الأبدية , إلى حضيض جلبة الإنسان , وعجيج الحيوان , فضلَّت هذه الفضيلة وأضلَّت. ضلَّت حين لم تجد سكناً تأوي إليهِ في جديد مُستقرٍّ اختارته , وعرفت أنها التاثت بحمأة الخطيَّة , وأضلَّت لأنها تركت الفلاسفة والشعراء كحاطبين في الظلام. أضلَّتهم لأنها ربة عَبَدها الناس , لا جميع الناس , ولكن عبدها الشاعر والفيلسوف , وسجد لها الأدبيون والأخلاقيون وهم لا يدرون أين يضعون لها شطر الوجوه , فضلَّوا وأضلُّوا كما فعلت الآلهة من قبل فيا لضلال العابد والمعبود! ضائعة أنت أيتها الفضيلة وأنتم أيها الفلاسفة والشعراء وأركان الحكمة والآداب كل منكم فضيلةٌ أرضية ضائعة ضياع فضيلة السماء في الأرض؛ كل منكم فضيلة ضائعة ولكن يست بأرضيةٍ كما قيل , لأنكم أرواح سماوية , وجواهر مجرَّدة , هبطت مع الآلهة إلى الأرض, فضاعت

<<  <  ج: ص:  >  >>