فلم أُبصر أَخاً يُرجَى ... ولا خالاً ولا عمَّا
وراحَ الحظُّ عن شكوا ... يَ في أُذنٍ لهُ صَمَّا
وجدَّ الدهرُ في قهري ... يحثُّ الهمةَ الشمَّا
رأيتُ الناسَ تخشاني ... كأَنّي وابئُ الحُمَّى
فلا أَدرِي أحيّاً ب ... تُّ أم ميتاً قضى ظلُما
أرى بيني وبين البُؤ ... سِ وُدّاً طافحاً يمَّا
أما من مُفسدٍ واشٍ ... سعى بالوشيِ مهتمَّا
فخلَّى ودَّنا شملاً ... شَتيتاً لَنْ يَرى لمَّا
يميناً! حارَ عقلي في ... حياةٍ تُشبِهُ الحُلما
أَرى فيها من الأضدا ... دِ ما يستوقِفُ الفَهما
أَعاجيبٌ قَضَتْ منّي ... شُؤُوناً بالأذى جَمَّا
فبي كالضربِ آلاماً ... وما من ضاربٍ همَّا
وكالتجريحِ أوجاعاً ... وما من جارحٍ أمَّا
وكالنيرانِ تَشِوي الرو ... حَ ثُمَّ اللحمَ والعظما
ولا نارٌ ولا جَمرٌ ... ولا ما يُشعِلُ الفحما
وكالأدواءِ أعراضاً ... تُذيبُ الصخرةَ الصمَّا
وما من علَّةٍ تُشكّى ... لطبٍّ يُبرِئُ السُقما
وكالأغلالِ في جسمي ... ولم أحملْ بهِ دُهما
وعَقلٌ ذاهلٌ ساهٍ ... سَجينٌ مُوثَقٌ رمَّا
كأني غيرُ موجودٍ ... وموجودٌ قدِ اهتمَّا
أراني قد أرى ريِناً ... بأنفِ الحقِّ قد شمَّا
أشكُّ اليومَ بي , حتَّى ... وجودي خِلتُهُ وَهما
فقبلي لم يكنْ سجنٌ ... يَعمُّ الروحَ والجسما
حبيسُ الروحِ عن حِسٍّ ... وفكرٍ سرَّ أو غمَّا
وعن حفظٍ وعن ذكرٍ ... وعن حُكمٍ , ولو مهما. . .
حبيسُ الفعلِ ثُمَّ النط ... قِ , لا حتى , ولا أَمَّا
ولا سَمعٌ ولا شوقٌ ... ولا لمسٌ ولا شمَّا
قُوىً محبوسةٌ جمعا ... ءُ ممَّا خصَّ أو عمَّا
فِعالٌ وانفعالاتٌ ... ولا حريةٌ ثمَّا
وحسَّاسٌ جَمادٌ في ... زمانٍ واحدٍ حكما
مَقُودٌ غيرُ مختارٍ ... كأني آلةٌ صمَّا
إِذا ما حشرةٌ أزَّتْ ... عرتني هزَّةٌ رُغما
وإِن صرَّ الذُّبابُ الغَثُّ ... صرَّتْ أضلُعي ممَّا. . .
ويأتيني البُكا عَفواً ... ويَعصيني البُكا لمَّا. . .
ولا أسطيعُ جَذْبَ النف ... سِ عن ضحك بيَ أئتمَّا
ولا أقوَى على ضحكٍ ... إذا أمَّتُهُ أمَّا
وحالٍ كالغنى شكلاً ... بفقرٍ مُدقعٍ نمَّا
رياشٌ جَمَّةٌ شتَّى ... ومالي مسُّها جَزما
طعامٌ شائقٌ حُلوٌ ... ولكن مرَّ لي طعما
ونومٌ دونَ تهويمٍ ... تراهُ أعيُني حَتما
شؤونٌ لو رواها الحُ ... رُّ نالتْ سمعَ مَن صمَّا
وقالوا: جِنَّةٌ عاثتْ ... بعقلي , فالتوَى رقما
وقالوا: إِنَّما القسي ... سُ فيهِ نافِعٌ حَسما
خرافاتٌ وأوْهامٌ ... تَعيبُ العقلَ والعِلما
وقالوا إِنهُ داءٌ ... لأعصابي قدِ انضما
ومنهم مَن رأى شيئاً ... ولا أكنى ولا سمَّى
فهذا النزرٌ ممَّا بي ... على ما أسطعتهُ نَظما
ولا أرتادُ للأيا ... مِ تَمداحاً ولا ذمَّا
فذا حظي من الدنيا ... فدعني , لا تزِدْ غمَّا
[شبلي بك ملاط]
هو من أمراء الشعر في الشام , ومن صاغة الكلام الذين يشار إليهم بالبنان , سريع
الخاطر سم القريحة , يجيش الشعر في نفسه فيجري فصيحاً على لسانه دون أن يكدّ طبعه. أما نظمه فجزل الألفاظ , مَحكم النسج , مطرد السياق , لا تعلق به ركاكة ولا ظل عليه للابتذال.