صحيفة من النحاس - الفساد - ولما بعدا عن الشيخ ووارتهما أغصان الغاب رجعت إليه فلقيته يئن أنيناً متقطعاً وهو يحتضر وكان احتضاره رهيباً مزعجاً فدنوت منه وسألته وأنت من أنت يا هذا فأجاب والنور يخرج من فيه: أنا الحب العذري - أنا الطهر - أنا العفاف.
قال هذا وتنفس الصعداء وكان بها خروج الروح. وأدرت لحاظي في هيئته فرأيته قد تحول كله إلى شعلة من نور ورأيت زهرة آسٍ كان يتضوع منها عرفٌ قوي الرائحة رغماً عن ذبولها. وساد السكون على تلك الأنحاء عميقاً فرجعت أدراجي نحو منزلي لما رأيت أن الهواء أصبح بارداً وشعرت بوطأة السكون.
بيروت، جميل مدور
[نظرة إشراف عام]
على ديار نجد
وقعت مقالات مراسلنا البغدادي الفاضل أحسن وقع عند قرائنا لأنه كشف فيها النقاب عن أمور وحقائق من اطلع عليها، وهي تتعلق ببلاد العرب وتاريخ النهضة الأدبية فيها. ونحن نبشر القراء اليوم بأن هذا الكاتب القدير سيدبج للزهور سلسلة مقالات في هذا الموضوع الجليل الذي لم يسبق إليه. وهو يبني كتاباته على أبحاثه الشخصية الواسعة مدعومة بما يستقيه من أوثق المصادر. وها نحن ننشر اليوم مقالته الأولى التي تشرح هيئة تلك البلاد وحالتها الحاضرة وهي مقدمة لأبحاث آتية. وفي هذه المناسبة نكرر له الشكر باسم الزهور وقرائها على ما يتحفنا به من المباحث الشائقة التي تعد خير خدمة للعلم والأدب. وإليك الحلقة الأولى من هذه المقالات: