ضنُّوا بعرضِكِ أن يُباعَ ويُشتري ... عِرضُ الحرائر ليسَ فيهِ سوامُ
ضاقَ الحصارُ كأنما حلقاتُهُ ... فلَكٌ , ومقذوفاتُها أجرامُ
ورَمَى العدى , ورميتهم بجهنَّم ... مما يصُبُّ الهُ لا الأقوامُ
بِعْتِ العدوَّ بكلِ شبرٍ مهجةً ... وكذا يباعُ المُلكُ حين يُرامُ
ما زالَ بينَكِ في الحصارِ وبينهُ ... شُمُّ الحصونِ ومثلهنَّ عِظامُ
حتَّى حواكِ مقابِراً وحويتِهِ ... جُثثاً , فلا غُبْنٌ ولا استذمامُ
[على قبري]
أقولُ لهم في ساعةِ الدَّفنِ خَفِّفُوا ... عليَّ ولا تُلقوا الصخورَ على قبري
ألم يكفِ همٌّ في الحياةِ حملتُهُ ... فأحملَ بعدَ الموتِ صخراً على صخرِ
كان سمو الأمير وشاعره يشارفان بعض الأعمال , ولم يكن لشوقي بك ما يتقي به حرّ الهاجرة فناوله سموّ الأمير مظلة في يده فقال على الفور:
عبَّاسُ مولاي أهداني مظلَّتَهُ ... يظلِّلُ اللهُ عبَّاساً ويرعَاهُ
ماَلي وللشمسِ أخشاها وأحذرُها! ... مَنْ كان في ظلِّهِ فالشمسُ تخشاهُ
أيُّها المنتحي بأسوانَ جاراً ... كالثُريَّا تُريدُ أن تَنقضَّا
اخلعِ النعلَ واخفضِ الطرفَ واخشعْ ... لا تحاولْ من آيةِ الدهرِ غَمضا
قفْ بتلكَ القصورِ في اليمِّ غَرقي ... ممسِكاً بعضُها من الذُّعرِ بعضا
كعَذارى اخفينَ في الماءِ بَضّاً ... سابحاتٍ بهِ , وأَبدينَ بَضَّا
مُشرفاتٍ على الزَّوالِ , وكانت ... مُشرفاتٍ على الكواكب نَهضَا
شابَ من حولها الزمانُ , وشابت ... وشبابُ الفنونِ ما زالَ غَضَّا
رُبَّ نقشٍ كأنَّما نفضَ الصَّا ... نعُ منهُ اليدَينَ بالأمس نفضَا
ودُهانٍ كلامعِ الزَّيتِ مرَّت ... أعصرٌ بالسراجِ والزَّيتُ وضَّا
وخطوطٍ كأنَّها هدبُ ريمٍ ... حسنتْ صِنعةً وطولاً وعرضا
وضحَايا تكادُ تَمشي وتَرعى ... لو أصابت من قدرةِ اللهِ نَبضا
ومحاريب كالبروجِ بَنتها ... عَزَماتٌ من عزْمةِ الجنِّ أمضى
شيَّدت بعضَها الفراعينُ زلفىً ... وبنى البعضَ أجَنبٌ يترضىً
ومقاصيرَ أُبدِلتْ بفتاتِ ال ... مسكِ تِرباً , وباليواقيتِ قضَّا
حظُّها اليوم هدَّةٌ , وقديماً ... صرفت في الحظوظ رفعاً وخفضا
سقَتِ العالمينَ بالسعدِ والنح ... س إلى أن تعاطتِ النحسَ مَحضاً
صنعةٌ تُدهِشُ العقولَ , وفَنٌّ ... كان إِتقانُهُ على القومِ فَرضا
يا قصوراً نظرتُها وهي تقضِي ... فسكبتُ الدموعَ , والحقُّ يقضي
أنتِ طُغرا , ومجد مصر كِتابٌ ... كيفَ سامَ البِلى كتابَكِ فَضَّا؟
وأنا المحتفي بتأريخِ مصرٍ ... من يصُنْ مَجَدَ قومِهِ صانَ عرِضا
لم تُمتْ أمَّةٌ , ولا بادَ شعبٌ ... اقرضوا الذِكرَ والأحاديثَ قَرضا
رُبَّ سرٍّ بجانبَيكِ مُزالٍ ... كان حتى على الفراعينِ غَمضا
قُلْ لها في الدُّعاءِ لو كان يُجدي: ... يا سماَء الجَلالِ لا صرتِ أرضا
حارَ فيكِ المهندسونُ عُقولاً ... وتولَّت عزائمُ العلمِ مَرضى
أينَ ملْكٌ حيالَها , وفريدٌ ... من نظامِ النعيمِ أصبحَ فضَّا؟
أين فرعونُ في المواكبِ تَترى ... يُركضُ المالكينَ كالخيلِ ركضا؟
ساق للفتح في الممالِك عرضاً ... وجلا للفَخارِ في السلمِ عرضا
أين إِيزيسُ تحتها النيلُ يجري ... حكمتْ فيهِ شَاطئَين وعرضا؟