واربأْ بنفسك أن تثرى ... مستمرئاً في العيش جبنا
ودعِ الجزيرةَ والمها ... والجسرَ والظبيَ الأَغنَّا
واسلُ الأغاني والغوا ... ني واسألِ الرحمانَ عَوْنا
[أبناء الحكماء]
أتقضي معي , إِن حانَ حَيني , تجاربي ... وَما نلتُها إِلاَّ بطُولِ عناء
ويُحزِنني أَنْ لا أرى ليَ حيلةً ... لإعطائِها مَن يَستحقُّ عَطائي
إذا ورَّثَ المثرونَ أبناَءهم غِنىً ... وجَاهاً , فما أَشقي بني الحُكماءِ!
[أمين بك ناصر الدين]
هو من أشهر شعراء سورية. مطبوع على الشاعرية , جواد القريحة ضليع من اللغة , متمكن من تاريخ الآداب. أما أسلوبه فمتين رشيق , بعي عن التصنع والتعقيد. يتفنن به حسب المواضيع التي يطرقها , ومواضيعه شتى. وأما معانيه فيتحدى فيها على الغالب معاني الشعراء الأقدمين ولكنه يلبسها حلةً جديدة شائقة.
[صدى اليأس]
آثرَ الدَّهرُ أن أعيشَ كئيبا ... بينَ قومي , وفي بلادي غريبا
تنتحي قلبيَ الهمومُ دراكاً ... وإِليَّ الخطوبُ تُزْجي الخُطوبا
حَسِبَ الدَّهرُ أنني مِن جَمَادٍ ... فرماني بالنائباتِ ضُروبا
غيرَ أنَّ الأرزاَء ما أفقدَتني ... جَلَداً راسخاً وَعُوداً صليبا
ضاعَ رأيي في مَنْ أرى حين أمست ... ألْسُنُ الناسِ لا تُطيعُ القلوبا
تارةً أحسَبُ الحبيبَ بغيضاً ... وزَماناً أرى البَغيضَ حبيبا
كم رأيتُ ابتسامةً فوقَ ثغرٍ ... ثمَّ عادت مِن بعدِ ذاكَ قُطوبا
ولكَم بتُّ راضياً عن أُناسٍ ... حين أصبحتُ غادَروني غَضوبا
ولكم قد وثقتُ بالبعضِ , لكن ... قد أبى الخُبْرُ أن أكونَ مُصيبا
ينتحيني الأنامُ من غيرِ داعٍ ... ومتى أذعُ لا أُلاقِ مُجيبا
يحسَبون الجميلَ أسوأَ صُنْعٍ ... والسجايا المُكَمِلاتِ عُيربا
وَدَّ غيري دوامَ عصرِ شبابٍ ... بينما جئتُ أستحِثُّ المَشيبا
حَبَّذَ الشَّيْبُ في دُجَى الشَّعْرِ صُبْحاً ... مُنبئاً أنَّ للحياةِ غُروبا
لا تظُننَّ أنَّ في العيشِ طِيباً ... ضَلَّ مَنْ ظَنَّ في الخبائثِ طيبا
وكفى بالشقاءِ طَلْقُ لسانٍ ... عن خطوبِ الحياةِ قامَ خطيبا
أرقبُ النجمَ في الدياجي , وما مِن ... وَلهٍ بِتُّ للنُّجومِ رَقيبا
غيرَ أني أرى لهنَّ خُفوقاً ... كفؤادٍِ يُحيي الظلامَ طَروبا
ويَزيدُ النَّسيمُ قلبيَ حَرّاً ... مثلَ نارٍ بالرّيحِ زادت لهيبا
وإذا ما رأيتُ إِشراقَ شمسٍ ... قلتُ يا ليتَهُ يعودُ مَغيبا
إِنَّ سَتر الظلامِ يحجُبُ عنّي ... كلَّ شيءٍ أريدُهُ محجوبا
يا هَزارَ الأراكِ إِنَّكَ أَوفى ... في الملذَّاتِ من سِواكَ نصيبا
أنتَ تشدو على الغصونِ سروراً ... وأنا أجعلُ القريضَ نحيبا
أنتَ تبغي البقاءِ في ظلِّ دَوْخٍ ... وأنا أبتغي الفناءِ القريبا
لكَ في الطيرِ أوفياءُ , وإِني ... لم أجِدْ في الأنامِ إِلاَّ مُريبا
يا هَزارَ الأراك لو كنتَ مثلي ... لاستحالَ الصُّداحُ منكَ نَعيبا
ليسَ من طبعيَ الكآبةُ , لكن ... آثرَ الدهرُ أن أعيشَ كئيبا
[النحو في الشعر]
سأَلَتني عنِ التنازُع يوماً ... غادَةٌ بالجمالِ تَسبي وتُصبي
قُلتُ إِنْ كان للتنازُعِ معنىً ... فَهْوَ ما بَينَ ناظرَيْكِ وقَلبي