للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أحمد شوقي بك]

ينظم بين أصحابه فيكون معهم وليس معهم , وينظم في المركبة وفي السكة الحديدية وفي المجتمع الرسمي وحين يشاء وحيث يشاء. ولا يعرف جليسه أنه ينظم إلا إذا سمع منه بادئ بدء غمغمة تشبه النغم الصادر من غور بعيد ثم رأى ناظريه وقد برقا وتواترت فيهما حركة المحجرين , ثم بضر به وقد رفع يده إلى جبينه وأمرّها عليه إمراراً خفيفاً هنيهة بعد هنيهة فإذا قوطع في خلال النظم , انتقل إلى أي بحث يباحث فيه , حاضر الذهن صافيه , جميل البادرة كعادته في الحديث. ثم إذا استأنف ذلك المنظوم ولو بعد أيام طوال عاد إليه كأنه لم ينقطع عنه مستظهراً ما تمّ منه حافظاً لبقية المعنى الذي يضمره. يكتب القصيدة بعد تمامها وربما تمت ونسيها شهراً ثم ذكرها فكتبها في جلسة واحدة يكلف أحياناً بمعارضة المتقدمين ولا يندر عليه أن يبزّهم. لا يجهد فكره ولا يكده في معنى أو في مبني. فأما المعنى فيجيئه على مرامه أو على أبعد من مرامه ولا ينضب عنده لأنه يستخلصه من عقل فوار الذكاء ومعارف جامعة إلى أفانين الآداب في لغات الإفرنج والأعراب فلسفة الحقوق وحقائق التاريخ وغرائب السير التي يحفظ منها غير يسير إلى مشاركات علمية وتنبيهات فنية استفادها من مطالعته في صنوف الكتب واتخذها عن ملحوظاته ومسموعاته في جولاته بين بلاد الشرق والغرب صياغة أبي تمام ومن وثبات المتنبي ومن مفآجات الشريف ومن مسلسلات مهيار.

وفي المجموع تجد صفة عامة للنظم وهي أنه نظم شوقي.

ذلك شعر العبقرية والتفوق.

خليل مطران

[الأندلس الجديدة]

يا أُختَ أندلُسٍ , عليكِ سَلامُ ... هَوتِ الخِلافةُ عنكِ والإِسلامْ

نزلَ الهِلالُ عن السماءِ فليتَ ا ... طُوَيتْ , وعمّ العالمينَ ظلامُ

أزرى بهِ , وأزالَهُ عن أوجِهِ ... قَدرٌ يحطُّ البدرَ وهو تَمامُ

جرحان تَمضي الأُمتَّانِ عليهما ... هذا يَسيلُ , وذاك لا يَلتامُ

بكُما أُصيبَ المسلمون , وفيكما ... دُفِنَ اليَراعُ , وغُيّبَ الصَّمصامُ

لم يُطوَ مأتمُها , وهذا مأتمٌ ... لبِسُوا السَوادَ عليكِ فيهِ وقامُوا

ما بين مصرِعها ومصرعكِ انقضت ... فيما نُخبُّ ونَكرَهُ الأيَّامُ

خلَتِ القُرونُ كلَيلةٍ , وتَصرَّمتْ ... دُوَلُ الفُتوحِ كأنَّها أحلامُ

والدهرُ لا يألو الممالِكَ مُنذِراً ... فإذا غَفلنَ فما عليهِ مَلامُ

مقدونيا , والمسلمونَ عَشيرةٌ ... كيف الخُؤولةُ فيكِ والأَعمامُ؟

أتُراهمُ هانُوا , وكانَ بعزِّهم ... وعُلوِّهم يَتخَايلُ الإِسلامُ؟

إذْ أنتِ نابُ الليثِ , كلُّ كتيبةٍ ... طلِعَت عليكِ فريسةٌ وطَعامُ

ما زالتِ الأيَّامُ حتى بُدِّلتْ ... وتَغيَّرَ الساقي , وحَالَ الجامُ

أرأيتِ كيف أُديلَ من أُسُدِ الشَّرى ... وشَهدتِ كيفَ أُبيحتِ الآجامُ

زعموكِ هَمّاً للِخلافةِ ناصباً ... وهلِ الممالكُ راحةٌ ومَنامُ

ويقولُ قومٌ كنتِ أشأمَ مورِدٍ ... وأراكِ سائِغةً عليكِ زُحامُ

ويِراكِ داَء المُلْكِ ناسُ جهالةٍ ... بالمُلكِ منهم عِلّةٌ وسقامُ

لو آثرُوا الإصلاحَ كنتَ لعرشِهم ... رُكنْاً على هامِ النجومِ يُقامُ

وهمٌ يقيِّدُ يعضُهم بعضاً بهِ ... وقيودُ هذا العالَمِ الأُوهامُ

صُوَرُ العَمى شَتَّى , وأقبحُها إذا ... نظرَتْ بغيرِ عيونهنَّ الهامُ

ولقد يُقامُ من السيوفِ , وليسَ من ... عثَراتِ أخلاقِ الشعوب قيامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>