قال عُمر بنُ الخطّاب: لولا حبُّ الوطن لخرب بلدُ السوءِ. وكان يُقال بحب الأوطان , عمرت البلدان
وقال جالينوس: يتروَّحُ العليل بنسيم أرضهِ , كما تتروَّحُ الأرضُ الجدية ببلّ المطر
وقال بقراط: يداوي كلُّ عليلٍ بعقاقير أرضهِ , فإن الطبيعة تنزعُ إلى غذائها. ومما يؤكد ذلك قول إعرابي وقد مرض بالحضر , فقيل لهُ: ما تشتهي؟ - فقال: مخيضاً رويّاً , وضبّاً مشويّاً
وقيل: من علامة الرشد أن تكون النفس إلى أوطانها مشتاقة , وإلى مولدها توَّاقة وحدّث بعض بين هاشم , قال: قلت لإعرابي: من أين أقبلت؟ - قال من هذه البادية. قلت: وأين تسكنُ منها؟ قال: بساقط الحمى , حمى ضرّية , ما إن لعمر اللهِ أُريد بها بديلاً , ولا ابتغي عنها حولاً , حفّتها الفلوات , فلا يملولحُ ماؤها , ولا تحمى تربتها , ليس فيها أذى ولا قذى ولا وعكٌ ولا موم؛ ونحن بأرفه عيشٍ , وأوسع معيشة , وأسبغ نعمة؟ قلتُ: مما طعامكم؟ قال: بخ بخ الهبيد والضباب والبرابيع مع القنافذ والحيَّات , وربما واللهِ أكلنا القد , واشتوينا الجلد , فلا نعلم أحداً أخصب منا عيشاً؛ فالحمدُ للهِ على ما رزق من السعة , وبسط من حسن الدعة.