وإذا كان الجميل سوري النشأة وقد كان اسم سوريا يطلق حينئذ على لبنان وسوريا معا قبل أن يتجزأ الوطن الواحد, فإن الجميل قد احتفل بأدباء سوريا احتفالاً بارزاً, وليس معنى ذلك أنه آثرهم على أدباء العراق أو غير العراق ممن فسحت المجلة صدرها لآثارهم, بل معناه أن صلته الشخصية بهؤلاء قد دفعتهم إلى مؤازرته من ناحية, كما دفعته إلى المبادرة بنشر ما يستطيبه من ثمارهم, وأذكر أنه أفرد عددا ممتازا بالسنة الأولى خاصا (بمصر وسوريا) وقد قال في افتتاحيته: إنه أنشأ هذه المجلة لتكون رابطة بين أدباء الأقطار العربية, وأنه اغتبط حين عُرفت (الزهور) بهذا الاتجاه, ومُيزت به على سائر المجلات فأصبح يراسلها العدد الكبير من أدباء من أدباء مصر والشام والعراق والجزائر ومراكش، لذلك فإنه يصدر هذا العدد السنوي الكبير خاصا بمصر وسوريا ليكون مقدمة لأعداد تالية. وبعد إفاضة شافية في إيضاح العلائق بين مصر وسوريا, أعلن أن العدد إن كان قاصراً على الأدبيات فهو مقدمة لما سيتلوه! والحق أن كل ما جاء بالعدد عن مصر وسوريا من الحقائق نفيس مختار على أكمل وجوه الاختيار, وقد ابتدأ بحديث مصر, فنقل شذرات مفيدة لأساطين الباحثين مثل العلامة أحمد كمال مدير متحف الآثار العربية, كما نشر قصيدة ممتازة لإسماعيل صبري تحت عنوان (فرعون وقومه) وهي شهيرة ذائعة ومطلعها:
لا القوم قومي ولا الأعوان أعواني ... إذا ونى يومَ تحصيل العلا وان
وأتبعها بقصيدة شوقي في هيكل أنس الوجود ومطلعها:
أيها المنتحي بأسوان داراً ... كالثريا تريد أن تنقضا
وبعد الشعر جاء حديث البحث والتحقيق, فنشرت المجلة ترجمة لما قاله هيرودوت عن النيل, يليها مقال أدبي عن وفاء النيل لعله بقلم الجميل, ثم وصف للأزبكية بقلم الشيخ حسن العطار شيخ الأزهر المتوفى سنة ١٢٥٠ هـ وحديث عن الأوبرا بقلم فارس الشدياق.