على الجانب الأيمن من الخط الحديدي الواصل بين مصر ومصر الجديدة , في المكان المعروف بكبري غمرة , بناءٌ فخم متسع الأرجاء , ممتد الأطراف , في منبسط مخضرّ الأديم , طلق الهواء , يحيط بهِ شبه سهل يتمشى فيهِ شارع عباس حتى أقصاه , وهو مطلٌّ عليه يستأنس بحركةٍ غير منقطعة فيهِ من دون أن يبلغ إليهِ ضجيجها فيزعجهُ في راحته وسكونه. . . ذلك البناء الجميل هو دار علم وفضيلة؛ هو نتيجة الاجتهاد والثبات؛ هو منشأ أمهات المستقبل في مصر؛ هو الكلّية الأميركية للبنات في هذا القطر؛ هو الأثر الطيب الخالد للمرحومة مِسْ كايْل التي اغتالها الموت في أوائل الشهر الماضي. وددنا أن نكتب تاريخ هذه المرأة الفاضلة فإذا بنا أمام تاريخ النهضة الأدبية النسائية في مصر في الثلاثين السنة الأخيرة؛ ولا غرو فإن مس كايْل رافقت تلك النهضة منذ استهلالها حتى عهدها الحاضر فكانت تنشيء المدارس للبنات وتديرها بحكمة واجتهاد يوم لم تكن دُورُ العلم آهلةً بغير النزر القليل من الطلبة فضلاً عن الطالبات؛ ومشت معها آخذة بيدها , ومتدرجة بها في مرقاة النجاح حتى لقد ارتبط تاريخ حياتها بتاريخ نشوء وارتقاء هذه النهضة , وما عمل ثلاثين سنة مملؤة بالنشاط والثبات والإخلاص بالعمل اليسير الذي لا يكترث له. قدمت مِسْ كايْل القطر المصري فبدأت عملها في اسيوط حيث أقامت زهاء ثماني سنوات رئيسية لمدرسة البنات التي أنشأتها الرسالة الأميركية في تلك المدينة. ثم رأست مدرسة الأميركان الكبرى بالأزبكية في القاهرة تسع عشرة سنة متوالية بذلت لها في خلال كل مواهبها الفطرية , وخبرتها المكتسبة , فما برحت تلك المدرسة تنمو وتزهو حتى رأيناها في هذا العهد من خيرة معاهد التربية والعلم. ولما رأت ثمرات أعمالها يانعة في هذا القطر وعلَّمتها خبرتها وكثرة احتكاكها بالمصريات أن الفتاة المصرية لا يعوزها غير الوسائل لإدراك الترقي الحقيقي ,