ولكَم حدَّثَتهُ بالشّرِ نفسٌ ... ما لها بالشُّرورِ قبلُ يدانِ
فابتغى أن يصيرَ عاصِفَ ريحٍ ... هادِماً بيتَها على السكَّانِ
ولَدُنْ وافتِ الكنيسةَ بالمو ... كبِ تبغي إِتمامَ عقدِ القرانِ
عيلَ صبراً , فثارَ ثورةَ ليثٍ ... وأَثارَ الغُبارَ ملَء العيانِ
وانبرى للشموعِ يُطفِئُها غي ... ظاً ولم يحترمْ جلالَ المكانِ
زادَ حِقداً , فرامَ تجفيفَ ما في ال ... كأس حتى تبقى بلا قربانِ
ومُديرُ الناقوسِ ممَّا اعتراهُ ... أسمعَ الناسَ دقَّةَ الأحزانِ
كلُّ هذا لم يُجدِ نفعاً , وتمَّ ال ... عرسُ رغماً عن ذلك الهَيجانِ
فمضى هائماً على وجههِ وال ... صدرُ يغلي بالحقدِ كالبُركانِ
ساحَ في الأرض , مثستغيثاً ملوك ال ... ريحِ من كلّ صادقٍ مِعوانِ
بين هيفٍ وزعزعٍ ودَروجٍ ... وسمومٍ وعاصِفٍ مِرنانِ
ثمَّ وافى من بعدِ عامَينِ في جي ... شٍ خضمٍّ يموجُ كالطَّوَفانِ
خارِباً في طريقِهِ كلَّ ما م ... رَّ عليهِ من عامرِ البلدانِ
وصلَ البيتَ , وهو يحسبُ أن يَذ ... ريَهُ في الهواءِ مثلَ الدُّخانِ
إِذ رأى في جوانب الدارِ مَهداً ... فيهِ طفلٌ يبكي بغيرِ بيانِ
ولدى الطفلِ أُمُّهُ , وهي من خو ... فٍ عليهِ شديدةُ الخفَقانِ
فتلاشَتْ قواهُ , وانتصر الح ... بُّ عليهِ والحبُّ ذو سلطانِ
فجثا قُربَ طفلها , آخذاً عن ... ها يهزُّ السريرَ كالغلمانِ
صدَّ عني
صدَّ عني ولا عَجَبْ ... كلُّ شيءٍ لهُ سَببْ
ذهبتْ ساعةُ الرّضي ... وأتتْ ساعةُ الغضبْ
مستبدٌّ بحُكمهِ ... فأنا مثلُ ما أَحبّْ
تارةً صاحبُ المُنَى ... تارةً صاحبُ الكُرَبْ
فَلِقاءٌ بهِ الهنا ... وَفِراقٌ بهِ التَّعبْ
كلُّ ذنبي لأنَّ لي ... فيهِ صدراً قد التهبْ
ولأني عشقتهُ ... باردَ القلبِ والشَّنَبْ
[ليالي الصيف في مصر]
أذاعَ في مصرَ رسولُ البِشْرِ ... أنَّ ذُكاَء غَرِقَتْ في البحرِ
فَطَلَعَ البدرُ ضَحُوكَ الثغرِ ... وأقبلَ النسيمُ لطفاً يسري
وصَفَّقَتْ فَوْزاً مياهُ النهرِ
وبلغَ الرياضَ ذاكَ الخَبَرُ ... فاهتزَّ إِعجاباً وماسَ الشَّجرُ
وابتهجَ النّورُ بها والثَّمرُ ... والزُّهرُ من فوقُ إليها تنظرُ
ترى خيالَ ذاتِها في الزَّهرِ
ومن عجيبٍ أن تَرَى الطبيةْ ... تُظهِرُ ذي الشماتةَ الفظيعةْ
بالشمسِ وهي أُمُّها البديهةْ ... وَرَبَّةُ الكَلِمةِ المسموعةْ
تُطيعها في نهيها والأَمرِ
لكن بمصرِ ليسَ بالعجيبِ ... وقوعُ هذا الخطأِ المعيبِ
فكم بها من حادثٍ غريبِ ... والشمسُ فيها أحدُ الخطوبِ
في الصيفِ فهي أصلُ ذاك الحّرِّ
أُنظرْ فَبَيْنا الدُّورُ والقصورُ ... ليسَ بها حسٌّ ولا شعورُ
صامتةٌ كأنها قبورُ ... قدِ انبرَت بأهلِها تَمُورُ
وانْفَرَجَتْ عِقْدَةُ ذاكَ الحَصْرِ
أطلَّتِ الغِيدُ من الخدورِ ... كأنها الأقمارُ في سفورِ
يخطونَ في الدِّمَقْسِ والحريرِ ... مِن كلّ ظبيٍ أغَيدٍ غريرِ
مُهتضمِ الكشحِ دقيقِ الخصرِ
وخرجَ الناسُ إلى الساحاتِ ... يغتنمونَ فُرَصَ اللذَّاتِ
وارتفعت طَقطقةُ الساحاتِ ... من جعةٍ تُحسي ومن جلاَتِ
مبرّداتٍ مُنعِساتِ الصَّدرِ
تَنَفَّسَ الحيُّ ومنذُ حينِ ... كان يُعاني غًصَصَ المَنونِ