لسعادة سليم بك عنحوري الدمشقي شهرة واسعة في الأدب. فهو شاعر قدير وكاتب مجيد , وله من الآثار في هاتين الصناعتين ما تناقلته المجلات والصحف العربية من كل مكان. وقد أراد حضرته - وهو نزيل مصر اليوم - ألاّ يحرم الزهور من نفثاته , فبعث إليها بالمقال التالي. قال: لستُ أدري وأبيك ما سرُّ هذه الصحبة القديمة القائمة بين الشعراء والنسيم منذ عهد امرئِ القيس فآتياً , ولا ماهية تلك العلاقة الرابطة بين هذه النسمات الرقيقة , بين رصفائي أمراء الكلام , فإنه لم يكفهم , وهم أرباب الذوق , وسادة اللطف , بل هم وحدهم الناس على مذهب شاعر الأمير الذي يقولك
جاذبتني ثوبي العصيَّ وقالت ... أنتم الناس أبها الشعراءُ
أنهم يتنسمون النفحات الهابة من مواطن الأحبة , فيتبردون بأنفاسهم التي توليهم طيباً , وهم يكسبونها من زفراتهم المتوهجة بالوجد شرراً ولهيباً. ولهم يرضهم إن يتخذوا النسيم بريداً ورسولاً يحملونه السلام , ويستقضونه لبانات الغرام , وهم يكلمونهُ بصيغة الأمر كأنهُ بعض الخدَّام كما فعل صاحبنا ابن زيدون في قوله يتغزل بولادة الأندلس:
ويا نسيم الصَّبا بلّغ تحيتنا ... من لو على البعد حيَّا كان يُحينا
بل يعرّضونه بسبب هذه الرسائل السمجة للخزي والطرد والحجاب كما فعل ابن ماني , بحسب إقراره عن نفسه إذ قال: