حجبوها عن الريا لأني ... قلتُ يا ريح بلّغيها السلاما
لو رضوا بالحجابِ هانَ ولكن ... منعوها عند الوداع الكلام
فإنهُ لولا رسالتهُ تلك ما حجب الرياح أحد عن الاستمتاع بملامسة ذلك المحيَّا الفتان , ولم يقنعهم إنهم يبثّون تلك النسمات الشكوى , فتقاسهم البلوى , وتشاطرهم الكمد , وتعتلّ لاعتلالهم , وترثي لحالهم , ما جرى لابن هاني القائل:
ومرَّ بيَ النسيمُ فرَقَّ حتى ... كأني قد شكوتُ غليه ما بي
أي نعم , لم يكفهم ولم يغنِهم كل هذا حتى زادوا - على ما اشتهر من رقتهم - غلطةً , وتمادوا بفضولهم حرصاً وأنانية , فطفقوا يسومون تلكم النفحات الطيّبات حملَ ما تتقاصر
دونهُ هممُ الرجال وتنوءُ ببعضهِ قلل الجبال. فقد زيَّن , للوزير مجد الدين الطغرائي , الغرورُ بما نال من شرف الوزارة , مضافاً إلى مزية اللسن , وحلاوة النظم , وشدة العارضة , أن يسخّر الريح لتي يلوح من تضاعيف كلامهِ أنهُ طالما استخدمها في قضاء أغراضهِ الغرامية , وحاجات نفسهِ السرية , بأن تقيم بين الأصداغ والطرر وتشوشها , وتنتهز الفضلات , وتتحين الفرص لتحوم حول الثغور وتقبّلها. ثم تسلك بين الأجسام والغلائل , وتستبضع من ذلك الحانوت الحافل بكل شائقٍ رائق , ما يطيب بهِ خاطر الوزير , وترفرف عليهِ أمانيُّهُ , ثم تأتيه على مهلٍ , مستترة بأجنحة الليل الهادي , فتنبههُ من نومهِ اللذيذ الهنيء وتنتفض عليهِ انتفاضاً , لعل نفحة الطيب المستمدة من ذلك البدن خصيب الرطيب تقضي لبانات فؤادهِ المعنى الكئيب. وإن كنت ,