لا أريد من معنى هذه الحرفة ما يتجوز به المتكلمون من إملاق أهل الأدب وسوء أثر الزمان عليهم كسوء أثره على بعض الكتب القديمة. . . ولا ما يترسلون به من جفاء الأديب واطرحه دون منزلته وتقديره بما ليس من كفايته , وذهابهم إلى أن الأقدار ما برحت تنصرف بسعادته إلى غيره , وبشقاء غيره إليه , كأنه في لغة الأقدار باب من الطرد والعكس. . . ولا ما يتمثلونه من قبح مكافأة كل أديب لنفسه , وجنايته عليها وابتغائه بها المراميَ في كل ما أجرى إليه من قصد , واستهدف له من غرض , كأنها غير نفسه أو نفس غيره , فما إن يزال ينصب ويتهالك فيما يعاني من أمر الأدب لا يرفق بها ولا يستجمّ لها , حتى تسترخيَ جوانبها , وتتناثر بما فيها من قوة , فيحتف عليها كل بلاء , ويمكّن منها لكل قضاء , وهو يرى أن لا بأس على نفسه من شيء ولو كان الموت ما دام قد استيقن أن لا بأس في لبه. لا أريد ذلك وما إليه مما عسى أن تبلغ به بلاغة القوم في تفضيل هذه الحرفة إذا هم جمعوا أطراف لبيان وأخذوا في متاحي القول؛ وإنما أشير إلى معنى الحرفة على الحقيقة , وأريد أن أصف شيئاً من أخلاق جماعة يحترفون من الأدب صناعة كسائر المهن؛ والصناعات التي بها قِوام