طرابلس الغرب التي استعرت نار القتال بسببها بين الدولة العثمانية وإيطاليا بلاد قاحلة وصحارى مترامية الأطراف متسعة الأكناف تبلغ مساحتها مليوناً و٥١ ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها لا يزيد على المليون بكثير. وقد عرف القراء من الصحف اليومية معظم ما تهم معرفته بشأنها ولكننا أحببنا أن نذكر لهم شيئاً عن قبائل السنوسيين الضاربة في شمالي أفريقيا والتي كثر ذكرها في معرض العكلام عن تلك الحربن فنقول:
إن قبائل السنوسيين من أشهر قبائل الغرب وأكثرها نزوعاً إلى القتال وأشدها شغفاً بخوض غمرات الحرب، وهي عزيزة الجانب نافذة الكلمة، تكاد بنظامها تحاكي إمارة من الإمارات، وبشجاعة أفرادها تفوق الرجال، وهي منتشرة في معظم تلك البقعة من أفريقيا، وقد لاقت منها فرنسا في الجزائر أهوالاً. ولا عجب إذا كانت قبائل السنوسيين ذات دربة في القتال وحنكة في الحرب فإن موقع البلاد الضاربة فيها على طريق الغزاة الفاتحين. فدعاها ذلك إلى المكافحة مدة عشرين قرناً ونيف. وإذا كانت قد هدأت وسكنت في النصف الثاني من القرن المنصرم فالسبب في ذلك راجع إلى شدة ما أصابها من جراء الحملة الفرنسوية الأولى سنة ١٨٥٢ وخصوصاً الحملة الثانية سنة ١٨٥٧.
وتشهد بأهمية ذلك الموقع من الوجهة العسكرية الحركات الحربية المتعددة التي جرت في تلك الأنحاء. ففي هذه الأصقاع كان ممر الرومانيين والفندال والعرب، وفيها كان معترك المراودة والمهاودة والمراونة بعد الفتح