اعتاد دولة الأمير الخطير محمد علي باشا شقيق الجناب العالي الخديوي أن يقوم في كل سنةٍ برحلة في ناحيةٍ من أنحاء العالم , وأن يدوّن عند عودتهِ آراءَه وملاحظاتهِ ووصف ما رأى وشاهد في كتابٍ ينشرُهُ ويهديه إلى أصدقائِهِ تذكاراً لرحلته. وقد سافر في العام الماضي إلى الولايات المتحدة , وعرف القراءُ من الصحف اليومية ضروب الحفاوة والإِكرام التي قام بها السوريون في العالم الجديد ترحيباً بالأمير الشرقي المصري الكبير. فنشر دولته في كتابٍ تفصيل رحلتهِ هذه , وذكر السوريين بكل إطراءِ , وأثنى على همتهم وإقدامهم , واحتفاظهم بقوميتهم العربية في أقصى الأصقاع. ونحن اليومَ ناقلون عن هذا الكتاب الجليل صفحةً عن حالة الشرق , عسى أن يكون فيها عبرة وذكرى. قال الأمير حفظه الله: إنَّ الثلاثين سنة التي قضيتُ معظمها جائلاً في أنحاء أوربا , والتي لا أُنكر المزايا التي اكتسبتها فيها بمعاشرتي واختلاطي بكبراءِ رجالها المفكّرين والمصلحين , قد زادت في قلبي حبَّ بلادي وتعلُّقي بالشرق والشرقيين. فبكلّ جوارحي أُنادي فليعش الشرق وأبناؤه! جديرٌ بنا أن نفتخر ببلادنا العزيزة , مهبط الأنبياء , ومنبع الأديان وأصل التاريخ , مصدر التمدين. فذكرُ مجد الشرق يُحزنني. فأين نحن الآن من عظمتنا الماضية؟ أُلقوا معي نظرةً في تاريخ حياة أجدادنا. أنهُ كان مجيداً: فكم بلادٍ فتحوها بشفار سيوفهم , وكم أمم أخضعوها بقوَّتهم وشدَّة بأسهم! إِنهم لم يتركوا وسيلةً لإِعلاءِ شأنهم , وإظهار عظمتهم ,