ذلك الجبار الطاغية! رأيته مضطجعاً ضجعتهُ الأخيرة وقد أخرس الموتُ لسانه وأبطل القبر صوته. جرَّد سيفه فأقلق الكون , وتمادى في جبرؤته فأزعج السموات. وضع قدمه اليمنى على إهرام مصر , واليسرى على كرملين القيصر , ثم صاح بأوربّا صيحة مرعبة , فكان لزئيره دويٌّ ضجَّت له الأرض , وهلعت له الكائنات.
رجل الدم والحديد!
كان يرى العالم كما يرى النسرُ النملة من علوّهِ الشاهق. هدم الباستيل؛ ليطلق منه الأسرى؛ ثم بنى على أنقاضه باستيلاً آخر , سجن في العالم أجمع. وكان السعد يخدمه , فنصره في أوسترلتز , وعقد له الظفر في مارنجو , وحالفه في الأهرام. فلما رأى الله طغيانه , قال: ليس حسناً أن يبني هذا النسر عشَّهُ في الجوّ لئلا يقلق السماء؛ هلمَّ ننزل ونضربه فلا يُزعج الكائنات! وكان ظلّ ذلك الجبار يُلقي رعباً على المسكونة؛ وكلما رفع يده , تتلَّمس أوربا رأسها , لترى هل هو بعد على عنقها! لو ولدت فرنسا بونابرتاً آخر لاضطرّ الله أن يتجسَّد مرة أخرى لإنقاذ العالم من شرّه وطغيانه. ألم يحفر جهنما أخرى في الأرض , ليدفن فيها