للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سألْتُكِ ودّاً فاسْتطبتِ ليَ الجفا ... وأمَّلْتُ قُرباً , فارتضى الدَّهرُ لي البُعدا

تشابهتُما جَوْراً وغدراً وقوَّةً ... فصيّرتهِ نِدّاً , ولم تقبلي نِدَّا

فلا تحرماني لَذَّةً من تألّمٍ ... ولا تسلباني الوجدَ , لن أسلوَ الوجدا

خذا جسدي والروحَ فاقتسماهما ... ولكنْ دعالي وحدَهُ ذلك الكبْدا

حفظتُ بهِ عهداً وأَخشى ضياعَهُ ... وإنّي لأُبقي الكبدَ كي أُبقيَ العهدا

نفسٌ مكرَّمة ونفس تزوري

غيّرتِ عهدَكِ في الهوى فتَغيَّرا ... ملَكَ الهوى قلبي وقلبُكِ ما درى

كُوني كما أنا في الغَرامِ وفيَّةً ... لا تهجريني , ما خُلقِتُ لأُهجَرا

أَصبحتُ فيكِ من الوُلوعِ بغايةٍ ... إِن زدتِ حسناً لا أزيدُ تحيُّرَا

بلَغَ المدَى بي كلَّ شيءٍ في الهوى ... فإذا أردتُ زيادةً لن أقدرَا

يسمو بكِ الحسنُ المُدِلُّ إلى السَّما ... ويَمُتُّ بي الجِدُّ المذلُّ إلى الثرى

مَاذا التخالُفُ في المحبَّةِ بيننا ... نفسٌ مكرَّمةٌ ونفسٌ تُزدرى

ينفكُّ عمري في الهوى متقدِّماً ... ويظلُّ سَبقي في الهوى متأخِرا

وأكادُ أحسَبُ في غَرامِكِ شقوتي ... لو كان يُسعَدُ عاشقٌ بين الورى

عندي حديثٌ إِن أردتِ ذكرتُهُ ... مَنْ لي بأن تُصغي إليَّ وأذكُرَا

عصفت بهِ ريحُ الملامةِ موهناً ... فجرى على وجهِ العذولِ وغَيَّرَا

لا تُنكري نَظَراتِ عيني خلْسةً ... اللهُ قد خلقَ العيونَ لتنظرا

وقفَتْ عليكِ فما انثنت عن منظرٍ ... فُتنتْ بهِ إِلاَّ لتطلبَ منظَرا

أرسلتِ طيفَكِ في المنامِ يزورُني ... فدَنا وولَّى وهو يعثُرُ بالكرى

لم يُبقِ من أثرٍ سوى تبسامةٍ ... خطرُتْ على نفسِ الهوى فتأثَّرا

أتبعتُهُ أملي فأقصرَ دونَهُ ... ولوِ استمدَّ بلفتةٍ ما أقصَرا

لا يعذلوني في غَرامِكِ ضِلَّةً ... من هامَ فيكِ فحقُّهُ أن يُعذَرا

رقَّتْ حواشي الرَّوعِ فيكِ صبابةً ... ونَهى النُهى عنكِ الفؤادَ فأعذَرا

قلبي يحسُّ وهذهِ عيني تَرى ... مَا حِيلتي في مَا يحسُّ ومَا يرى

إِن تصبري عنّي فقلبُكِ هكذا ... أمَّا أنا فأخافُ أن لا أصبِرا

شاعرة تهاجرُ شاعراً

تمسين ناسيةً , وأُمسي ذاكرا , ... عجباً! أشاعِرةٌ تُهاجِرُ شاعرا

فهل الملائكُ كالحسانِ هواجرٌ؟ ... إِنَّ الملائكَ لا تكونُ هواجرا

إِن كنتُ لا أسعى لدارِكِ زائراً ... فلكم سعى فكري لدارِكِ زائرا

وأخو الوفاءِ يَصونُ منهُ غائباً ... أضعافَ ما قد صانَ منهُ حاضِرا

يُصيبكِ طيرُ الروضِ في ترجيعهِ ... يا ليتني في الروضِ أُصبحُ طائراً

ويهزُّ منكِ الزَّهرُ في زَفَراتهِ ... نفساً تظلُّ لها النفوسُ زوافرا

قد عشتِ دهرَكِ بالمحاسنِ سبه ... وقضيتُ دهريَ بالمحاسنِ حائرا

إِنَّا اقتسمنا السحرَ فيما بيننا ... للهِ ساحرةٌ تُساجِلُ ساحرا

لابدَّ في هذي الحياةِ من الهوى ... إِنَّ الهوى يهبُ الحياةَ نواظرا

ولقد تهبُّ عليهِ يوماً سلوةٌ ... فتُنيمُ ساهرةً وتتركُ ساهِرا

يا ويحَ ذي قلبٍ يُناجي مثلَهُ ... يدعوهُ مُؤنسَهُ فيبقى نافرا

قلبانِ: ذو صبرٍ يُعاني هاجِراً ... أو هاجرٌ ظلماً يُعَذِّبُ صابرا

متوافقانِ على الشِكايةِ في الهوى ... كم جائرٍ في الحبّ يشكو جائرا

<<  <  ج: ص:  >  >>