سبق للزهور أن نشرت صورة الشيخ يوسف الخازن صاحب الأخبار المحتجبة. وهو الكاتب المجيد الذي طالما طرب القراء لمقالاته الشائقة وأبحاثه الدقيقة. ويسر أن تقدم اليوم لقرائنا المقالة التالية منه , قال: في أوائل الشهر الماضي خُتِم القرن الثالث لجلوس مخائيل رومانوف على عرش روسيا , وهو جَدُّ الدولة المالكة فيها اليوم , فاحتفل الروسُ بذلك احتفالاً باهراً توفّرت فيه مظاهرُ الأُبهة والعظمة على ما يليق بالدولة التي تظلّلُ رايتها سدس بلاد الله مساحةً وعُشر عباده عدداً. فحجَّ القيصر إلى بيت جدهِ في موسكو , حيث يُحفَظُ المهد الذي ضمَّهُ واللعَب التي لها بها وسائر الذخائر المتروكة عنهُ , مما يحفظهُ الأبناءُ برّاً بالأبناءِ وافتخاراً بهم؛ وأقيمت الصلوات الحافلة في عاصمة روسيا تذكاراً للأموات ودعاءً للأحياء , بحضرة ستة عشر مطراناً يتقدَّمهم بطريرك أنطاكية , وقد جيءَ به خصيصاً من الديار الشامية لهذه الغاية؛ ووزّعت الصدقاتُ وأطلق السجناءُ وعفي عن كثيرين من المنفيين , ووردت على القيصر التهانئ من الملوكِ وروساءِ الحكومات وذوي الحيثيات , على ما فصََلت ذلك الجرائد اليومية. ولا غرابة إذا احتفلت روسيا مثل هذا الاحتفال بذكرى مخائيل رومانوف فإن لأبنائهِ فضلاً عظيماً عليها , ومآثر عديدة تخلّدُ ذكرى كثيرين منهم في التاريخ وتسوّغ الافتخار بهم: فإنهم تولّوا روسيا , ومساحتها ثمانية ملايين كيلومتر مربع بما فيها سبيريا؛ والبحران البلطقي والأسود مقفلان في وجهها , فلا منفذ لها إلاّ على البحر الأبيض حيث الجليد يكاد يجعل كلَّ منفذ والهواء سواء؛ وأسوج على كتفها قوية الساعد شديدة البأس , تضطرها إلى التنازل لها عن بعض الولايات؛ وبولندا حاجز قويٌّ بينها وبين دول الغرب تعزلها عنها , ولا تدع لها رأياً في مجالسهنَّ؛