فتاةٌ في ربيع حياتها , تلوح على وجهها إمارات الطهر والعفاف , أطلّت ذات ليلة من نافذة منزلها , وكانت الطبيعة هادئة , والناس نياماً والسكون باسطاً جناحيه تكاد لا تسمع سوى حفيف الأشجار وتغريد الطيور وخرير المياه. . . نظرت إلى ما فوقها فرأت النجوم تنير القبة الزرقاء , والقمر يتهادى كالعروس مبدّداً جيوش الظلام باسطاً ضوءَه على العالم فيزيد الطبيعة بهاءً وجمالاً , ثم حانت منها التفاتة إلى ما تحتها فرأت منظراً رائعاً مهيباً رأت منحدراً تغطيه أشجار الصنوبر والأعشاب الجبلية ينتهي إلى وادٍ جميل تكسوه المروج الخضراء. . . راقتها تلك المناظر البديعة التي طالما سمت بالشعراء إلى عالم الخيال وانتعش فؤادها من نسيم الليل العليل , فغادرت منزلها في سكون الليل وسحر القمر , وجعلت تسير بين الكروم بخفة الغزال , وهي تمتع نظرها بمحاسن الطبيعة وجمالها حتى وصلت إلى مكان تظلله شجرة فتقدمت إليها وجلست على غصن من أغصانها لتستسلم إلى سرورها وهنائها. . . ما كادت الفتاة تجلس حتى مال بها الغصن فوق هوة عميقة تنتهي إلى ذلك الواد , فتماسكت به وصاحت بأعلى صوتها: أدركوني! ولكن ما من مجيب.