ما بين آسيا الصغرى للشمال، والفرات والبادية للرشق، وقسم من بلاد العرب للجنوب، وبحر الروم للغرب تمتد سورية سلسلة جبالها متدرجة من الغرب حتى تنتهي على بحر الروم، وممتدة من الشرق حتى تلامس نهر الفرات عند شماله ورمال صحراء الشام عند جنوبه. وهذه السلسلة التي تمتد بطولها من آسيا الصغرى حتى بلاد العرب، من طوروس الفاصل حتى الصحراء الجافة، تظهر للناظر بأغرب حركات الطبيعة وأجمل انتساقها، فهي تحاذي خليج إسكندرونة حتى إنطاكية، ثم تتجه نحو الجنوب الشرقي حتى بعلبك، ومن هنالك تتقطع بتلال متتابعة وتمد ذراعيها لتصافح بحر الروم بجبلي لبنان والانتي لبنان.
ومن قرب الشاطئ تمد جناحاً كبيراً ينتهي بالكرمل الواقف عمودياً على صفحة الماء، ثم ترتفع على مشهد منه قمة الطور لتسود التلال العديدة الواقفة بعلو متدرج حتى تصل نقطة اختفائها على الأرض القاحلة، على الرمال المحرقة، على الصحراء.
تلك هي سوريا وفيها حلب ودمشق وبيروت وأورشليم: المدائن الأربع التي تقف كالعواصم لما حولها، وعليها مدار النظر في مستقبل سوريا وحياتها. هذه البلاد العزيزة التي رأينا فيها نور الحياة وشاهدنا على قممها