أما النقدات العلمية فما أكثرها , حيث حفلت بها مباحث المعلوف والأب إنستاس ماري الكرملي, وقد رمز لاسمه بتوقيع (سانستا) وما كنت أعلم أنه الكرملي لولا ما أشار إليه الأستاذ روفائيل بطي خاصا بتوقيعاته المتعددة فيما كتبه بمجلة الكتاب (مارس سنة ١٩٤٧) ومن بينها (سانستا) ولو كان التوقيع (أنستا) فقط لقلنا إنه مرخم (أنستاس) على غير قياس؛ وهم سادتنا اللغويون يحللون ويحرمون, وبحوث الزهور اللغوية والأدبية ذات طرافة بالنسبة لزمانها, وهي الآن من المطروقات!
طرائف شتى ..
طرائف الزهور أكثر من أن تحصر , ولابد أن يعرف عنها قارئ هذا المقال قليلاً من الكثير الذي تزدحم به, ومن أطرف ما قرأته بالجزء الثاني ص ٨٥ أن صاحب الزهور أعار الأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي كتاب (الريحانيات) لأمين الريحاني, وقال له مزكيا إن الريحانيات شقيقة النظرات، فقرأ المنفلوطي الكتاب وأرسل إليه يقول:
"قرأت الريحانيات الذي أعارنيه صديقي أنطون الجميل, فلم أجد فيه من اللغة العربية إلا حروفها دائما, ومفرداتها غالبا, وجملها نادرا, فلم أحفل بذلك كثيرا, لأني وجدت فيه من سمو الخيال الشعري, ودقة المسلك النظري, ما استوقفني ساعتين كاملتين, وهي المرة الثانية التي وقفت بها هذه المدة أمام كتاب عصري منذ أعوام بعد كتاب روح الاجتماع) ". ووجه الطرافة يتضح من قول المنفلوطي إنه لم يجد إلا الحروف دائما, والمفردات غالبا, والجمل نادرا, وهذا يذكرني بما روي عن الفقيه الكبير ابن دقيق العيد حين عرض عليه قول ابن الفارض:
ومن كان فوق التحت والفوق تحته ... إلى وجهه الهادي عنت كل وجهة
حيث قال: الألفاظ مفهومة دون أن تتصل بالمعنى, ولكن التركيب لا يفهم أبدا، وليس معنى هذا أن الريحانيات شبيهة بأبيات ابن الفارض في نظم السلوك, فهي شيء آخر تماما, ولكن المعنى المقصود حيرة القارئ في ألفاظ يدركها مفردة, ويعجز عن فهمها متصلة!
أما الطرفة الثانية, فقد كان من عادة المجلات في أوائل هذا القرن, أن ترسل الأعداد إلى من تتوسم فيهم حب الاطلاع, رجاء أن يتكرموا بالاشتراك, ولكن بعض هؤلاء يتباطأ دون الإرسال, وقد صرحت الزهور في العدد الثاني ص ٨٨ بأنها ترجو الذين لم يفيدوها عن رغبتهم في الاشتراك أن يسرعوا بذلك حين يصلهم هذا العدد! ومضى الوقت دون جدوى, فأرادت أن تنبه القراء إلى شيء مماثل فذكرت في العدد الرابع ص ٢٠٠ أن الدكتور شبلي شميل حين كان يصدر مجلة الشفاء منذ ربع قرن أرسلها للقراء دون أن يتلقى قيمة الاشتراك, وأخذ يطالب القوم حتى أدركه اليأس فاضطر إلى أن يكتب مقالا عن مرضين خطيرين .. والدكتور طبيب- سماهما باسمين أجنبيين, وقال: إن أعراض المرض الأول هي أن صاحبه إذا وصلته مجلة أدبية أو علمية بادر إلى ردها, وكتب عليها كلمة مرفوض, أما المرض الثاني فأشد خطرا, لأن صاحبه يتقبل المجلة إلى آخر السنة, ثم لا يرسل مليما واحدا, وليس الذنب ذنب هؤلاء, ولكنه ذنب أصحاب المجلات الذين يبتلون القراء بشتى الأمراض المستعصية, ولابد أن يتوبوا إلى الله.