وصلنا إلى بيروت وهي من المدن السورية الآهلة بالسكان، وقد عرفت عند الأقدمين باسم بيريت وأصبحت على عهد أغسطس مستعمرة رومانية وأطلق عليها الفاتح الروماني اسم جوليا السعيدة وقد ميزت بهذه الصفة، لخصب ضواحيها وفخامة موقعها، وجمال جوها العديم المثيل. والمدينة قائمة على رابية جميلة تنحدر شيئاً فشيئاً إلى البحر وقد قامت فيه بعض صخورها فرفعت عليها الحصون التركية. أما ميناؤها فهي كناية عن لسان أرض يمتد في البحر ويقي المراكب من الرياح الشرقية. وكل هذه البقعة وما حواليها من الروابي مكللة بخضرة جميلة، وترى شجر التوت قائماً على مدرجات من الأرض. وشجر الخروب والتين والدلب والبرتقال والرمان تلقي ظل أوراقها المختلفة الألوان على تلك الأنحاء. ووراءها الزيتون ذو الورق الرمادي يزركش هذا المنظر الأخضر البديع. وعلى مسافة ميل من المدينة انتصبت سلسلة جبال لبنان وفيها الأخاديد التي يضيع فيها النظر. وتتحدر في طياتها مجاري الماء إلى صور وصيدا أو إلى طرابلس واللاذقية. وقمم تلك الجبال المتفاوتة العلو تضيع في السحب البيضاء أو تسطع من انعكاس أشعة الشمس فتشبه جبال الألب وثلوجها الأبدية.